السبت، 16 ديسمبر 2017

نُبذة مختصرة للتَّعريف بالإبرازة الأخيرة من نسخة الحافظ ابن حجر (ت852هـ) من «كتاب تهذيب التهذيب»

نُبذة مختصرة للتَّعريف بالإبرازة الأخيرة من نسخة الحافظ ابن حجر (ت852هـ) من «كتاب تهذيب التهذيب»

إنَّه الشِّهاب الذي نجومُ تصانيفه مُشرقةٌ في ظلمة كل إشكال، ولمَّا خشينا مِنَ الجهل برجال الحديث، بادَرَ إلى الاحتفال بأسماء الرجال. 
وهو بحمد اللَّه نتيجةُ هذا العصر، وصاحبُ المقدمة، وبه حصل التَّغليق، وفزنا بالتوفيق، وهمنا إليه بالتَّشويق، فأكرِم بها مكرمة، ولقد تميز عندنا بتقريب الغريب، وقلنا: لا ينكر ذلك لِمَن جُبِلَ على تهذيب التهذيب(1).

يُعد كتاب «تهذيب التهذيب» للحافظ ابن حجر من الكتب المميزة، وقد سلك منهجية معينة في الإفادة من الجمع بين كتابي «تهذيب الكمال» للحافظ المزي، و«إكمال تهذيب الكمال» للعلامة مغلطاي، وقد أوضح في مقدمته أن إفادته من كتاب مغلطاي مميزة بعد عبارة «قلتُ» التي ترد عادة آخر الترجمة في «تهذيب التهذيب»، وهو ينتقي الكثير من فوائد كتاب مغلطاي دون استيعاب.

وقد صرح بعدم تقليده في شيء مما ينقله، وإنما استعان به في العاجل، وكشف الأصول التي عزا النقل إليها في الآجل، فما وافق أثبته، وما باين أهمله، ولو لم يكن في هذا المختصر -أي: تهذيب التهذيب- إلا الجمع بين هذين الكتابين الكبيرين في حجم لطيف لكان معنى مقصودًا، هذا مع الزيادات التي لم تقع لهما، وكان انتهاء تبيضه في سنة سبع وثمانمائة وظل الحافظ يضيف ما يتجدد له قرابة 40 سنة.

وقد كثرت نسخ الكتاب وسارت به الركبان، وكان من أعظم نسخه النسخة التي خطها المؤلف بخطه والتي وصفها السخاوي بأنها بخطه كسلاسل الذهب وحرص تلاميذ الحافظ ابن حجر على انتساخه، فهذا العلامة السخاوي يقول: «وقد بيضت منه نسخة في خمس مجلدات، وأخرى في ستِّ». 

وهناك نسخة ابن قمر الناسخ المجود وقد أجازها له الحافظ بخطه، وهي المحفوظة في جامعة برنستون.

ونسخة حماد بن عبد الرحيم، المعروف كسلفه بابن التركماني. ونسخة العلامة المفنن البرماوي، والقطعة التي كتبها الناسخ المكثر البدر البشتكي وقد وقفت عليها وتزدن بخط ابن حجر .

وهناك النسخة الفاتنة التي كتبها العلامة عمر ابن فهد المكي تلميذ الحافظ ابن حجر، ولما علم أن أصل شيخه ابن حجر من تهذيب التهذيب قد تجدد فيه من الزِّيادات والتَّعقُّبات والاستدراكات مما لعله لو جرد لكان قدر مجلد، كتب رسالة لشيخه يلتمس منه القدوم لمكة لإلحاق المتجدِّادت المذكورات وأنه جهز له صُرَّة ذهبًا. 

ونسخة ابن فهد قد وقفت على مجلدين منها، وأولها وآخرها بخط الحافظ ابن حجر، وقد ألحق له جل المتجدِّادت المذكورات بخطه على هوامش النسخة، وعلى ظهرها خط السخاوي وغيره، وبعد تجدد كتابة هذه السطور وقفت على مجلد ثالث من نسخة العلامة ابن فهد.

وقد أبان العلامة السَّخاوي عن طرائق شيخه الحافظ ابن حجر في تمييز ما يتجدد له في تصنايفه بالحمرة فقال: «كان في كثير من أوقاته يميز ما يتجدد له في تصانيفه بالحمرة، لتيسر إلحاقه لمن كتبه قبل».

فجال في خاطري النَّظر فيما زاده ابن حجر بالحمرة في أصله من «تهذيب التهذيب» نسخة مكتبة الولي، وهو مما تجدد له على مدار سنوات عديدة من البحث والتحرير.
وبعد النظر في عشرات المواضع المكتوبة بالحمرة ظهر لي أهم المصادر التي استعملها الحافظ في إضافة ما تجدد له، ثم وقفت على تقييد بخطه فيه التنصيص على كافة ما تجدد له، وأنه قد كتب من هذا الكتاب غير نسخة، ثم إنه في زمن الاشتغال ألحق فيه أشياء كثيرة تظهر من هوامش هذه النسخة، وأنها نسخة الأصل فمن ظفر بها ممن له نسخة من هذا المختصر فليلحقها لأنه ألحق فيها تراجم كثيرة جدا في سنة ست وسبع وأربعين.

وأن معظمها ممن جرى ذكره في كتاب الزهرة، وألحق أيضًا من ذكره صاحب الكمال وحذفه المزي، لكونه لم يقف على روايته مع احتمال وجودها فأورد تراجمهم احتياطًا، وألحق من ذكرهم الترمذي حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان أثناء كلامه في علل الأحاديث، وألحق من السنن الكبرى للنسائي جماعة روى عنهم أغفلهم المزي لكونه بنى على رواية ابن حيويه تبعا لابن عساكر، وأنه ألحق من رواية الأسيوطي وغيره جماعة، والذين ألحقهم من رواية ابن الأحمر أضعاف ذلك، ويرجو إذا تم ذلك أن يجرد جميع ما زاد على التهذيب في هذا المختصر في كتاب مفرد يكون ذيلًا عليه، ينتفع به من له نسخة من هذا التهذيب.

قلت: وهذه الأمنية قد تحققت في عصر الحافظ وقد قام بها بعض تلاميذه بارشاده فيما ذكره السخاوي في الضوء. 

وأبز هذه الزيادات تراجم من كتاب الزهرة، وقد اعتمد الحافظ ابن حجر في ذلك على نسخة بخط الحافظ أبي العباس ابن الظاهري كانت في ملك شيخه الحافظ الحسيني، ورغم كون العلامة مغلطاي كان يكثر النقل عن هذا الكتاب في «إكمال تهذيب الكمال» إلا أن الحافظ ابن حجر كان يهمل ذكر كلام صاحب الزهرة في الترجمة ويرجع ذلك لكون حصول الحافظ بأخرة على كتاب الزهرة فحتى سنة ست وثلاثين وثمانمائة لم يكن ظفر به وشرط الحافظ مراجعة أصول مغلطاي كما تقدم. 

وأبز هذه الزيادات ما ألحقهم من «السنن الكبرى» للنسائي، رواية ابن الأحمر، وقد ظفرت بأصل سماعه من «النسائي الكبرى» قرأه على أبي الطاهر ابن الكويك في عشرة مجالس كل مجلس منها أربع ساعات.
وهذا الأصل بخط عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد، المعروف بابن الفصيح، كتبه ابن الفصيح من أصل سماعه على الشيخ العالم القدوة المسند المحدث الثقة أبي عمرو المعروف بابن المرابط، وهو أصل معتمد عليه مضبوط مقابل موثوق به، وأخبر الشيخ أبو عمر المذكور أنه كان حاضرًا وقت سماعه، وهو بخط العالم الأديب الفاضل المحدث شمس الدين محمد بن علي بن عيسى الوطاطي رحمه الله، وبه كانت المقابلة مقابلة ضبط وتثبت حرفًا فحرفًا، وحركة فحركة، وسكونًا فسكونًا على حسب ما أدرى إليه توفيق الله تعالى، وكان فراغ ابن الفصيح من كتابته لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بدمشق المحروسة.

وأبرز هذه الزيادات ما ألحقه من الضعفاء الكبير للعقيلي، وهو عبارة عن كثير من أقوال العقيلي في الجرح والتعديل، وتراجم كاملة، ويرجع ذلك لوقوف الحافظ ابن حجر بحلب حين قدمها سنة (836هـ) على نسخة عتيقية وهي الأصل الذي عثر عليه بالزاوية العثمانية، بمدينة طولقة، التابعة لولاية بسكرة من صحراء الجزائر، وهو بخط وسماع إبراهيم بن جعفر بن هارون الشاشي، كتبها بين سنتي إحدى وثمانين، واثنتين وثمانين وثلاثمائة وقرئت على راويها الحافظ ابن الدخيل الصيدلاني سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. 

ونسخة الحافظ ابن حجر من ضعفاء العقيلي كانت مختصرة ومطررة ببعض التراجم المنقولة من كتب الضعفاء، وبعض هذه الطرر اعتمدها ابن حجر في تراجم لسان الميزان، وعزاها لضعفاء العقيلي وبعضها ليست منه وهي قليلة جدًّا.

وأبرز هذه الزيادات إضافة الكثير من التحريرات على بعض تراجم الصحابة الذين في صحبتهم نظر ويرجع ذلك لجهده الرائع الذي بذله في كتاب الإصابة فقد حرر تراجم الكثير منهم ثم استفاد من هذه الجهود بضمها للإبرازة الأخيرة. 

وأبرز هذه الزيادات الرجوع لكتاب الموضح للخطيب، وقد استفاد منه  في التراجم المدلسة في لسان الميزان، والمطالع لنسخة ابن قمر من اللسان يقف على تغاير مادة الترجمة فبعض هؤلاء الرواة أثبتهم الحافظ في اللسان وحكم عليهم بالجهالة وعندما طالع الموضح بان له أمرهم ونسخة ابن قمر حافلة بطرر الحافظ ابن حجر والكثير منها بالحمرة وهو مما تجدد له وكتاب الكنى من اللسان نسخة ابن قمر جله بخط ابن حجر. 

وقوفه على كتاب الضعفاء لأبي الفتح الأزدي، وكان من الكتب التي تفرد بها ابن الجوزي، ومغلطاي ينقل عنه بواسطة ابن الجوزي.

وأبرز هذه الزيادات نقل كلام الحافظ الذهبي في كل من ترجمه في الميزان من رجال الكتب الستة 
ورغم اعتناء الحافظ ابن حجر بكتاب الميزان للذهبي إلا أنه أضاف كلام الذهبي بأخرة ويرجع ذلك لوقفه على كتاب نهاية السول في رواة الستة الأصول للعلامة سبط ابن العجمي 
ومن محاسن هذا الكتاب نقل كلام الذهبي حرفيا من الميزان على كل ترجمة فأراد الحافظ أن يتضمن كتابه هذه الفائدة الجليلة.  والله أعلم 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر والدرر نقلا عن ابن حجة.


أ.أبو شذا محمود النحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية