السبت، 16 ديسمبر 2017

نُبْذة مختصرة عن أهمّية المعاجم للطَّبراني، وكتب البيهقِّيات، والفوائد المنتقاة، والمشيخات

نُبْذة مختصرة عن أهمّية المعاجم للطَّبراني، وكتب البيهقِّيات، والفوائد المنتقاة، والمشيخات

نظرًا لكون أصحاب هذه الكُتب من أهل الرِّواية وشأنهم في إيراد الأحاديث بمصنفاتهم متصلة بأسانيدهم، فقد وقع لهم جملة من عوالي كُتب السُّنة، والكثير من هذه المرويات انقطع اتصال سماع الكثير من الكتب التي اقتبس الرواية منها، ولم تَعد مسموعة في الكثير من الأمصار.

وتُعد هذه الكُتب منجمًا من مناجم السُّنة النبوية، حيث تحتوي على عوالي أحاديث أكابر المحدِّثين، وبها الكثير من الأجزاء والصُّحف الحديثية التي في عِداد المفقود، حتى أصبحنا نأخذ النَّص وكأننا نرى المصدر الذي استُقِي منه؛ وأخص «المخلصيات» لأبي طاهر مخلص الذَّهب من الغش، فيحوي أحاديث ومرويات الحافظ أبي القاسم البغوي، وكذا أحاديث ومرويات ابن صاعد، ويمكن الاستفادة منها في توثيق وضبط ما وصلنا من تراث البغوي وهو كثير؛ خاصة ما رواه من النُّسخ الحديثية، فهو مكثر جدًا من رواية النُّسخ والصحف الحديثية.

وأخص أيضًا «الخِلعيات» للخِلعي ففيه أندر مرويات أساطين السُّنة؛ عَبْد الله بن وهب، وسُفيان بن عيينة خاصة ما رواه عنه علي بن حرب الطَّائي، وسَعدان بن نصر، وبعضه أجزاء حديثة كاملة، وكثيرًا ما يقول الذَّهبي في «نبلائه»: «فلان وقع لنا جملة من عالي حديثه في الخِلعيات»، «فلان وقع لنا عواليه في الخِلعيات»، والحافظ الضِّياء المقدسي وغيره جرد مرويات ابن عُيينة من «الخِلعيات» وأطلق عليها «حديث سفيان بن عيينة»، وحرص على تسميعه.

وأيضًا «المَشْيخة البغدادية» لأبي طاهر السِّلفي ويُعد من مناجم السُّنة فيحوي كتب وأجزاء كاملة وفيه نسخة كاملة لـ «رسالة أبي داود إلى أهل مكة»، ونفائس الأجزاء الحديثية الكاملة.

وكل من ينظر إلى كُتب المتأخرين على كونها لم تأت بجديد، ومحال وجود حديث صحيح تفردت به؛ فهو لم يستوعب فوائد هذه الكتب، فأصحابها لديهم جملة ضخمة من مرويات كتب السُّنة فيتم انتقاء هذه المرويات وحفظها في هذه الكتب.

وكل من يَزعم أن الطَّبراني، والبيهقي والخطيب البغدادي وابن عساكر وغيرهم ينفرد بأحاديث وهذه الأفراد ضَعيفة أو غريبة فلم يستوعب أن هؤلاء لا أفراد لهم بل هي مرويات من كتب السُّنة التي وصلنا بعضها وفُقد بعضها، ويرجع هذه الاعتقاد للجهل بالمصارد الأصلية المقتبس منها الرواية، فالطبراني يروي في «معجمه الأكبر» الكثير من أمات كتب الرواية كـ «مصنف عبد الرزاق»، رواية الدبري. 

وأين «السُّنن» ليوسف بن يعقوب القاضي الذي يُكثر البيهقي الاقتباس منها؟! وكذا «المُسند» لأحمد بن عُبيد الصَّفار الذي يقول الذَّهبي بأن البيهقي أكثر الرواية منه، و«المُسند» لأحمد بن حازم بن أبي غرزة، و«المُسند» لأبي حامد بن بلال، و«الجامع الكبير» لسفيان الثوري، وغيره من الكتب التي سمعها البيهقي وحفظها لنا فالأولى أن يُقال أخرجه يوسف بن يعقوب القاضي ومن طريقه أخرجه البيهقي في كتاب كذا، وأخرجه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده ومن طريقه أخرجه البيهقي في كتاب كذا، ويصعب الحكم على هذه الأفراد بالضعف لأنه حكم بإهدار الكثير من المصنفات الحديثية التي وقعت لهم بالسماع وغير موجودة بيننا، ولا معروفة عندنا، ولعمري إن في انقراض هذه المسموعات وانقطاع اتصال سماعها ذهاب علوم جمة. هذا والله أعلم.


أبو شذا محمود النحال
[١٤:١٩، ٢٠١٧/١٢/٨] عبد الله بن سالم باوزير: ذِهاب الكثير من كتب النُّقاد مع تطاول الزمان ضعف أمر السلطان، واستيلاء ذوي العبث والفساد على أهل تلك البلاد

أيظن أن غاية كتب النُّقاد هي العلل عن الإمام أحمد بروايته المتعددة، والتَّورايخ عن ابن معين، والعلل لابن أبي حاتم، والدَّارقطني؟!
هناك ألوف المجلدات من كتب النُّقاد فقدت في عصور متقدمة جدًا جراء النَّكبات التي حلت على البلاد.
وصلنا مجموع فريد لا نظير له في الدُّنيا بخط البهنسي، وعليه خط الدَّاودي تلميذ السيوطي، وتقييدات طويلة بخط السخاوي، وقيود قراءة للمظفري محمد، وهذا المجموع به الكثير من كتب النقاد، وليس لهذه الكتب نسخة ثانية في الدُّنيا، وعندما أتخيل ضياع مثل هذا المجموع؛ أتخيل كارثة بكل ما تعينه الكلمة، ولكن الله سلم.

ولمعرفة المأساة الحقيقة راجع «جزء فِيه تسمية ما ورد به الشَّيْخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي دمشق من الكتب من روايته…»: منسوب لمحمَّد بن أحمد بن محمَّد المالكي، الأندلسي؛ لتقف على عشرات كتب النقاد التي ورد بها الخطيب دمشق وفقدت عبر العصور كـ: «الضعفاء» لعلي بن المديني، و«الضعفاء» للفلاس، و«العلل» للفلاس، و«العلل» ليحيى القطان، و«العلل» لأبي زرعة الرازي، و«العلل» لأبي بكر الأثرم.
أين «كتاب العلل» لإبراهيم الحربي؟! وأين «المسند الفحل» ليعقوب بن شيبة؟!
أين كتب فيلسوف هذه الصنعة وطبيبها، ولسان طائفة الحديث وخطيبها علي بن عبد الله المديني؟!
أتخيل حجم المأساة لولا أن الله قدر بإجازة محمد بن حِبان البستي كتبه للإمام أبي الحسن الدارقطني؛ لنقطع سماع كتب ابن حبان، وعمت البلوى!
انظر كلام إمام النُّقاد محمد بن عبد الله الحاكم في الإمام النَّسائي وأن من نظر في كتابه السنن تحير من حسن كلامه، ونص الحاكم بأن هذا الكتاب ليس بمسموع عندهم أي: انقطع اتصال سماعهم للكتاب!
راجع طرر النُّسخة الفريدة من «كتاب الدُّعاء» للطبراني؛ وانظر ما فيها من الفوائد والنقول الغريبة عن كتب النُّقاد التي لم نسمع بها أصلاً؟!

انظر قول الذَّهبي: فنون التَّواريخ التي تدخل في تاريخي «البحر المحيط» وسَرَدَها فكانت أمراً عجباً. لذا قال مُغلطاي: «التَّواريخ لا تحصى كثرة، وإن شخصاً واحداً حاز نحواً من ألف تصنيف فيه». وأخبرني بما وصلنا من كتب التَّورايخ؟!
انظر مغلطاي عندم انتقد المزي في اعتماده على نقل أخبار مقتل الحسين بن علي من تاريخ ابن عساكر، ونقده له: «ولو أردنا استيعاب أخباره وقصة مقتله لأربينا على ما كتبه ابن عساكر فضلاً عما لخصه المزي من كتابه ولم يعده؛ فإن عندنا بحمد الله من أخباره المفردة التي لم ينقل ابن عساكر منها شيئا «مقتل الحسين» لابن أعثم ولهشام بن محمد بن السائب في سفرين كبيرين، ومن الأجزاء الصغار عدة أجزاء، وإنما ضربنا عن ذكرها لشيوعها عن ألسنة العوام فضلا عن الخواص». 
أخبرني بالشَّائع منها في عصرنا؟! ثم انظر تسمية ما ورد به الشَّيْخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي دمشق من الكتب من روايته. لتقف على أكثر من ثمانية وعشرين تاريخًا ورد بها الخطيب بغداد، والكثير منها لم نره بأعيينا إلى اليوم ولا في النوم؟!

وحتى لا أطيل أختم لك بما ختم به الخطيبُ البغدادي «كتاب الجامع»: 
هذه تسمية كتب سبق المتقدمون إليها، ونستحب لصاحب الحديث أن يُخّرِّج عليها 
… قال محمد بن صالح الهاشمي: هذه أسامي مصنَّفات علي بن المديني: 
كتاب الأسامي والكنى ثمانية أجزاء. 
كتاب الضعفاء عشرة أجزاء. 
كتاب المدلِّسين خمسة أجزاء.
 كتاب أول مَن نظر في الرجال وفحص عنهم جزء.
 كتاب الطبقات عشرة أجزاء.
 كتاب مَن روى عن رجل لم يره جزء.
 علل المسند ثلاثون جزءً.
 كتاب العلل لإسماعيل القاضي أربعة عشر جزءً.
 علل حديث ابن عيينة ثلاثة عشر جزءً. 
كتاب مَن لا يحتجُّ بحديثه ولا يسقطُ جزءان. 
كتاب من نزل من الصحابة سائر البلدان خمسة أجزاء. 
كتاب التاريخ عشرة أجزاء. 
كتاب العرض على المحدث جزءان. 
كتاب من حدَّث ثم رجع عنه جزءان. 
كتاب يحيى وعبد الرحمن في الرجال خمسة أجزاء. 
سؤالاته يحيى جزءان. 
كتاب الثقات والمتثبتين عشرة أجزاء. 
كتاب اختلاف الحديث خمسة أجزاء. 
كتاب الأسامي الشاذة ثلاثة أجزاء.
كتاب الأشربة ثلاثة أجزاء. 
كتاب تفسير غريب الحديث خمسة أجزاء. 
كتاب الإخوة والأخوات ثلاثة أجزاء. 
كتاب من يعرف باسم دون اسم أبيه جزءان. 
كتاب من يعرف باللقب والعلل المتفرقة ثلاثون جزءً. 
وكتاب مذاهب المحدِّثين جزءان.

قال أبو بكر الخطيب: وجميع هذه الكتب قد انقرضت ولم نقف على شيء منها إلا على أربعةٍ أو خمسةٍ حسب، ولعمري إن في انقراضها ذهاب علوم جمَّة، وانقطاع فوائد ضخمة، وكان علي بن المديني فيلسوف هذه الصنعة وطبيبها، ولسان طائفة الحديث وخطيبها، رحمة الله عليه، وأكرم مثواه لديه.
ومن الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واضعها مصنفات أبي حاتم محمد بن حبان البستي التي ذكرها لي مسعود بن ناصر السجزي، وأوقفني على تذكرة بأساميها، ولم يقدر لي الوصول إلى النظر فيها، لأنها غير موجودة بيننا، ولا معروفة عندنا، وأنا أذكر منها ما أستحسنه؛ سوى ما عدلتُ عنه واطَّرحته، فمن ذلك: 
كتاب الصحابة خمسة أجزاء.
كتاب التابعين اثني عشر جزءً.
كتاب أتباع التابعين خمسة عشر جزءً.
كتاب تبع الأتباع سبعة عشر جزءً.
كتاب تباع التباع عشرون جزءً.
كتاب الفصل بين النقلة عشرة أجزاء.
كتاب علل أوهام أصحاب التواريخ عشرة أجزاء.
كتاب علل حديث الزهري عشرون جزءً.
كتاب علل حديث مالك بن أنس عشرة أجزاء.
كتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه عشرة أجزاء.
كتاب علل ما أسند أبو حنيفة عشرة أجزاء.
كتاب ما خالف الثوريُّ شعبة ثلاثة أجزاء.
كتاب ما خالف شعبة الثوري جزءان.
كتاب ما انفرد به أهل المدينة من السنن عشرة أجزاء.
كتاب ما انفرد به أهل مكة من السنن خمسة أجزاء.
كتاب ما انفرد به أهل خراسان خمسة أجزاء.
كتاب ما انفرد به أهل العراق من السنن عشرة أجزاء.
كتاب ما عند شعبة عن قتادة وليس عند سعيد عن قتادة جزءان.
كتاب ما عند سعيد عن قتادة وليس عند شعبة عن قتادة جزءان.
كتاب غرائب الأخبار عشرون جزءً.
كتاب ما أغرب الكوفيون على البصريين عشرة أجزاء.
كتاب ما أغرب البصريون على الكوفيين ثمانية أجزاء.
كتاب من يُعْرف بالأسامي ثلاثة أجزاء.
كتاب أسامي من يعرف بالكنى ثلاثة أجزاء.
كتاب الفصل والوصل عشرة أجزاء.
كتاب التمييز بين حديث النضر الحداني والنضر الخزاز جزءان.
كتاب الفصل بين حديث منصور بن المعتمر ومنصور بن زاذان ثلاثة أجزاء.
كتاب الفصل بين حديث مكحول الشامي ومكحول الأزدي جزء.
كتاب موقوف ما رفع عشرة أجزاء.
كتاب آداب الرحالة جزءان.
كتاب ما أسند جُنادة عن عبادة جزء.
كتاب الفصل بين حديث ثور بن يزيد وثور بن زيد جزء.
كتاب ما جعل عبد الله بن عمر عبيد الله بن عمر جزءان.
كتاب ما جعل شيبان سفيان أو سفيان شيبان ثلاثة أجزاء.
كتاب مناقب مالك بن أنس جزءان.
كتاب مناقب الشافعي جزءان.
كتاب المعجم على المدن عشرة أجزاء.
كتاب المقلين من الشاميين عشرة أجزاء.
كتاب المقلين من أهل العراق عشرون جزءً.
 كتاب الأبواب المتفرقة ثلاثون جزء.
 كتاب الجمع بين الأخبار المتضادة جزءان.
كتاب وصف المعدل والمعدل جزءان.
كتاب الفصل بين أخبرنا وحدثنا جزء.
كتاب أنواع العلوم وأوصافها ثلاثون جزءً.
ومن آخر ما صنف كتاب الهداية إلى علم السنن قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الحديث والفقه يذكر حديثًا ويترجم له ثم يذكر من يتفرد بذلك الحديث ومن مفاريد أي بلد هو ثم يذكر تاريخ كل اسم في إسناده من الصحابة إلى شيخه بما يعرف من نسبته ومولده وموته وكنيته وقبيلته وفضله وتيقظه ثم يذكر ما في ذلك الحديث من الفقه والحكمة وإن عارضه خبر آخر ذكره وجمع بينهما وإن تضاد لفظه في خبر آخر تلطف للجمع بينهما حتى يعلم ما في كل خبر من صناعة الفقه والحديث معا وهذا من أنبل كتبه وأعزها.
سألت مسعود بن ناصر فقلت له: أكل هذه الكتب موجودة عندكم ومقدور عليها ببلادكم؟ فقال: لا إنما يوجد منها الشيء اليسير والنزر الحقير قال: وقد كان أبو حاتم بن حبان سبل كتبه ووقفها وجمعها في دار رسمها بها فكان السبب في ذهابها مع تطاول الزمان ضعف أمر السلطان واستيلاء ذوي العبث والفساد على أهل تلك البلاد.
قال أبو بكر: مثل هذه الكتب الجليلة كان يجب أن يكثر بها النسخ ويتنافس فيها أهل العلم ويكتبوها لأنفسهم ويخلدوها أحرارهم ولا أحسب المانع من ذلك إلا قلة معرفة أهل تلك البلاد لمحل العلم وفضله وزهدهم فيه ورغبتهم عنه وعدم بصيرتهم به. والله أعلم.


أ.أبو شذا محمود النحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية