الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لمجموعة المخطوطات الإسلامية رابط متجدد

الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) [رابط متجدد]

الأعداد الكاملة لـلنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) @almaktutat رابط متجدد https://mega.nz/#F!JugA2KDT!4nTvCdymnFy...

الثلاثاء، 10 يناير 2017

نسّاخ الكتب بين حسن الخطّ وجودة الضّبط

نسّاخ الكتب
بين حسن الخطّ وجودة الضّبط

كَتَبـَةُ المخطوطات عالَمٌ لا يحصيهم إلاّ الخالق جلّ جلاله، ولا يخلو حالهم من أربعة أقسام:
الأوّل: نسّاخ جمعوا بين جمال الخطوط وبين ضبط الكلمات وإتقانها، فترى فيما كتبوا (( لوحات فنّيّة )) رائعة تسرّ النّاظرين، وزادها تألّقا جودة عالية في ضبط ما سطّروا، وخلوّ ما نسخوا من التّصحيف والتّحريف غالبا، وهذا ينطبق عادةً على العلماء المتقنين الذين عُرفوا بالخطوط الرّائقة كأصحاب الخطوط المنسوبة ـ وجمال الخطّ رزق ـ ولذا ترى في تراجم كثير من هذا الضَّرْب أنّ أحدهم (( كان يكتب خطّا منسوبا )) شبيها بخطّ ابن مقلة أو ياقوت ومن سار على دربهما، وساعدهم في الضّبط والإتقان حرصُهم الشّديد على المقابلة، ودرايتهم العميقة بقواعد نسخ الأصول ومقابلتها، ورائدهم في عملهم الجليل تلك المقولة المشهورة: (( من كتب ولم يقابل كمن غزا ولم يقاتل )).

الثّاني: نسّاخ رزقوا جمالا في الخطوط، وحرموا الضّبط والإتقان، حيث ينبهر النّاظر لأوّل وهلة في جمال ما يرى، ثمّ ينقلب بصره خاسئا بعد أن يرمق التّصحيف الكثير، والتّحريف الوفير، وهذا النّمط غالبهم ورّاقون احترفوا النّساخة مهنةً لهم، ولم تتح لهم الفرصة للاشتغال بالعلم، ومراعاة قواعد الكتابة الصّحيحة القائمة على التّصحيح والفحص والمقابلة، وكثير منهم يعجلهم زبائنهم على سرعة الفراغ من نسخ الكتاب، فلا يجدون وقتا للمقابلة، ولا يتبعون للضّبط سببا، بل لا يهتدون إليه سبيلا.
الثّالث: نسّاخ خطوطهم كآثار النّمل على الرّمل، لكنّها تميّزت بجودة عالية في ضبط الكلمات وإتقانها، فلا تكاد ترى فيما زبروه تصحيفا أو تحريفا، وهذا النّمط أهل علم ودراية، رزقوا جمال المعرفة، وحرموا حسن الكتابة.
الرّابع: نسّاخ حرموا النّعمتين: جمال الخطّ وضبط الكلمات، فلا ترى في منتسخاتهم إلاّ ألوانا من التّصحيف وأشكالا من التّحريف، غشيتها بسبب ذلك ظلمة زادها ظلاما رداءة ظاهرة في الكتابة، وإن ابتليت ببلل أو رطوبة أو أرضة أكول للورق، فقد ازدادت تلك المنتسخات سوءا ودخلت في ظلمات ثلاث، وغالبا ما يرى في كتب التّراجم وصف الواحد من هؤلاء أنّه (( كان عديم الضّبط، ردىء الخطِّ )).
إنّ أولى الأقسام الأربعة بالتّقديم لأصحاب النّمط الأوّل من النّسّاخ الذين جمعوا بين الجمالين: الخطوط الرّائقة البديعة، والكلمات المضبوطة المنيعة، يليهم في الاعتبار القسم الثّالث وهم العلماء الضّابطون المحرومون من الجمال الأوّل، ويلي هاذين النّمطُ الثّاني الذين رزقوه، وحرموا الضّبط والإتقان، وأردء الأقسام رابعهم الذين خلت منتسخاتهم من حسن الخطّ وجودة الضّبط.
من أمثلة النّمط الثّاني ما سطّره أحد الأعلام في هذه (( اللّوحة )) حيث لفت الانتباه إلى عدم الاغترار بجمال ما يراه النّاظر من خطّ الكاتب، بسبب سوء الضّبط الذي اعترى كتابته، حتّى اعتبر صنيعه من (( تحريف الكلم عن مواضعه ))، وهذا نصُّ ما كتب:
(( قال الفقير إلى الله تعالى ثابت بن تاوان بن أحمد التّفليسي خادم مصنِّف هذا الكتاب: طالعتُ هذا الكتاب النّفيس فوجدتُ فيه مواضع كثيرةً تحتاج إلى إصلاح، وأصلحتُ منها البعض، والتّحاملُ في ذلك على النّاسخ فإنّه ـ وإن كان حسن الخطِّ ـ لكنّه سيّء الضّبط، وكم من النّسّاخ من يحرّف في نَسْخِه الكَلِمَ عن مواضعه، ليعلم النّاظرُ في هذا الكتاب ـ إن اطّلع على تحريف أو تصحيف ـ أنّه كان لقلّة دراية النّاسخ وعدّته، وفهمه للمعنى، والحمد لله، وصلّى الله على محمّد وآله، وأسأل الله أن ينفع به المسلمين، وهو حسبي ونعم المولى! )).
خاتمة نسخة من كتاب (( رشف النّصائح الإيمانيّة وكشف الفضائح اليونانيّة )) لأبي حفص عمر بن محمّد بن عبد الله السّهروردي المتوفّى عام 632هـ ـ وهو غير السّهروردي المقتول على الزّندقة ـ ويُرى التّعليق المقصود بقلم تلميذه ابن تاوان التّفليسي المتوفّى عام 631هـ، وقد ذكر الذّهبي في ترجمة ابن تاوان من تاريخ الإسلام 14/39  أنّه (( كان مليح الكتابة، نسخ الأجزاء، وعني بالرِّواية ))، والنّسخة من محفوظات مكتبة رئيس الكتّاب ضمن السّليمانيّة بتركيا تحت رقم: 465 أتحفني بها مدير المجموعة المباركة الأستاذ الفاضل أبو عمر عادل العوضى أثابه الله كلّ خير، وهي نسخة نفيسة فات الاعتمادُ عليها محقّقةَ الكتاب وناشرتَه الدّكتورة عائشة يوسف المناعي.

د. جمال عزون
مجموعة المخطوطات الإٍسلامية
@almaktutat