خاطرة حول فتح المغيث بشرح ألفية العراقي للسخاوي
محققو طبعة دار المنهاج قاموا بالكشف عن مصادر السخاوي الأصلية على وجه لا بأس به
وزبدة علم الحافظ ابن حجر بمصطلح الحديث مدونة في النكت الوفية بما في شرح الألفية ، لتلميذه البرهان البقاعي ، ونكت البقاعي وفتح المغيث كفرسي رهان؛ فيما أحسب !
وكتاب السخاوي يعتريه الكثير من الغموض لا سيما في استعماله للضمائر ، ولو طبق القاعدة الشهيرة بأن: الضمير يعود على أقرب مذكور ربما تفلح قليلاً!
وأزعم أنه تعمد فعل ذلك فهي طريقة من طرائق المصنفين في الحفاظ على بنات أفكارهم، وليتميز ما غاصَ المصنِّف عليه من درر البحار
والسخاوي أول ما يستفتح الشرح يستفتحه بكلام الحافظ التقي ابن الصلاح، وإن كان في الباب شيء من كلام أبي عَمرو لا يقدّمُ على كلام غيره
وقد احتفى السخاوي في هذا الكتاب أيما احتفاء بكتب الخطيب البغدادي ، ويكفي شهادة الحافظ أبي بكر ابن نقطة لكتب الخطيب: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه
وأثناء معارضة العديد من النصوص التي نقلها السخاوي عن كتب الخطيب وقفت على أخطاء وقعت في الطبعة المنهاجية، منها (١/ ٣٣٤) قوله: عبيد الله بن أبي القاسم الفارسي. صوابه: عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي.
وبكتاب تدقيق العناية في تحقيق الرواية لابن أبي الدم ، وذكر السخاوي في الجواهر فصلاً عن الحافظ ابن حجر :
فيمن أخذ تصنيف غيره فادعاه لنفسه، وزاد فيه قليلاً ونقص منه، ولكن أكثره مذكور بلفظ الأصل :
علوم الحديث لابن أبي الدّم، أخذه من علوم الحديث لابن الصلاح بحروفه، وزاد فيه كثيرًا. انتهى.
وقد طبع كتاب ابن أبي الدم على نسخة غاية في النفاسة عليها الطرر بخط الزركشي وابن حجر
ودون الناشر على ظهرية الطبعة أن من محاسنها : حواش بخط الحافظ الزركشي والحافظ ابن حجر !
وقد اقتنيت هذه الطبعة فلم أَجِد الطرر المدونة على النسخة، رغم أنها ثابتة في الأصل الخطي النفيس ، ونأمل أن يعيد الناشر النظر في هذا التنبيه
وبنكت الزركشي وقد نقل منها مواضع دون تصريح بالعزو إليها، كنقله في مبحث الكشط والمحو والضرب لكلام الحافظ اليغموري عن بعض العلماء: قراءة السطر المضروب خِيانة
وهو نقل فريد تفرد بتدوينه الزركشي ، وهذا النقل لا يوجد في الطبعة الأولى لمكتبة أضواء السلف من نكت الزركشي
وثم طبعة ثانية لنكت الزركشي صدرت عن أضواء السلف أيضًا، اعتمد فيها نسخة نادرة من المتحف البريطاني، كتب على ظهريتها : ... قد ظفرت بكراريس من نسخة أخرى فيها إلحاقات بخط المؤلف مما ليس أكثرها في هذه فتتبعتها وألحقتها هنا. انتهى
وهذه الإلحاقات التي ألحقها الزركشي يتأتى الإلحاح على اعتماد النسخة الأخيرة التي كتبها المؤلف ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتحقيق مخطوط
وحري بكل من اقتنى الطبعة الأولى أن يقتني الطبعة الثانية التي اعتمد فيها نسخة المتحف
وقد تصحف اسم الحافظ اليغموري في الطبعة الثانية بكنت الزركشي ، وعلق المحقق: لعل الصواب اليعمري يعني ابن سيد الناس
واحتفى السخاوي بكتاب تذكرة العلماء لابن الجزري، وهو كتاب غاية في النفاسة وطبع مؤخرا عن مركز الموطأ - الإمارات ، وكتاب ابن الجزري هو المنى وناهيك به نبلاً
وقد نقل عنه بعض النقول الفريدة منها قول ابن الجزري:
قدمت لشيخنا الحافظ أبي بكر بن المحب طبقة ليصحح عليها لكونه المسمع فكره مني ذلك، وقال: لا تعد إليه فإنما يحتاج إلى التصحيح من يشك فيه.
ونكت الزركشي نفيسة جدا وقد ضمنها مصنفات منها ثلاث رسائل في الإجازة:
الأولى لابن منده
والثانية للحازمي
والثالثة لابن الدبيثي
وطبعت جميعها في دار أروقة بالأردن
ورسالة لابن حزم في نقد أحاديث في الصحيحين، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن مجموع في دار الكتب العلمية
وقد نقلها الزركشي كاملة من نسخة كانت لديه ، وهذه النسخة كانت في القاهرة وقد آلت إلى متحف أحمد الثالث
وهي ضمن مجموع فريد لا نظير له في الدنيا احتوى على نسخ للسؤالات الحديثية لا توجد إلا بهذا المجموع ، وعليه خط الداودي تلميذ السيوطي، وتقييدات كثيرة بخط السخاوي، وقيود قراءة للمظفري محمد وغيره
وأودع في نكته رسالة نادرة الوجود لأبي حيّان الأندلسي فيها مقارنة بين مجالس سماع الحديث بالأندلس والقاهرة بما لا مزيد عليه
والزركشي مع وفور فضله قل ما يُرى مثله في النبل والتقدمة في العلم .
وثم الكثير من الكتب التي اعتمد عليها السخاوي لكنه لم يهتبل بها كهتباله بهذه الكتب.
هذا والله أعلم .
أ. محمود النّحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية
