⚘كلمة عن كتاب "المستدرك على الصحيحين"
للإمام الحافظ الحاكم النيسابوي (ت: ٤٠٥)
هو من أعظم دواوين الحديث النبوي الشريف.
وسأتحدث عن أهم طبعاته، وكلمة منصفة عن منزلته وأهميته:
🎋أولاً: طبع هذا الكتاب العظيم ست طبعات في هذا العصر، وهي:
١- طبعة مطبعة دائرة المعارف العثمانية النظامية في حيدر آباد الدكن، بالهند، سنة ١٣٣٤ هـ. وفيها أغلاط كثيرة، لكن لهم فضل السبق، في طباعته وإخراجه، قبل أكثر من مئة عام، فجزاهم الله خيراً.
وعنها صورت طبعة دار المعرفة في بيروت.
٢- طبعة الميمان، سنة: ١٤٣٥- ٢٠١٤،
وتمتاز بالتخريج الموسع، وقيل أنهم استفادوا من عمل الشيخ محمود ميرة، فالله أعلم.
٣- طبعة التأصيل:
صدرت سنة: ١٤٣٥- ٢٠١٤. وعليها ملاحظات من حيث الأحكام على الأحاديث، وليتهم لم يفعلوا ذلك.
٤- طبعة دار الرسالة العالمية:
صدرت بتحقيق عدد من الباحثين، بإشراف الأخ الأستاذ عادل مرشد، وصدرت سنة: ١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨، وتمتاز بالتخريج الموسع.
٥- طبعة دار المنهاج القويم:
صدرت سنة: ١٤٣٩هـ - ٢٠١٨، وهي طبعة فريدة محققة منقحة، مقابلة على ثماني نسخ خطية مقابلة تامة، كما قوبلت على أربع نسخ خطية من تلخيص الذهبي للمستدرك، وقوبلت أسانيدها على إتحاف المهرة لابن حجر، كما روجعت على مرويات البيهقي عن الحاكم وأصول رويات المصنف، وبذا استكملت النقص، وعالجت الخلل الواقع في الطبقات التي سبقتها كافة وبحاشية الكتاب تعليمات وتعقيبات كل من الذهبي وابن حجر وابن الملقن وغيرهم وغيرهم من أهل العلم)
قام بذلك فريق علمي لمكتب خدمة السنة، بإشراف الأستاذ أشرف بن محمد نجيب المصري، وهي من أفضل الطبعات، في خدمة النص.
٦- وآخر طبعة صدرت عن دار المنهاج، سنة: ١٤٤٧- ٢٠٢٥، بتحقيق العلامة المحدث الشيخ محمود ميرة رحمه الله.
ومن فوائد تحقيقه رحمه الله: التخريج الموسع، نحو جمع الطرق وذكر الاختلاف والعلل.
وكذلك اعتماده على النسخة التي كانت تقرأ في الدرعية ولم تعتمد في الطبعات السابقة،
كما قال الأخ الأستاذ محمود النحال، وأضاف:
وكنت قد أرسلت له تلخيص الذهبي المطرز بتعليقات سبط ابن العجمي، وأخبرني الوسيط أن الشيخ لديه تتمة النسخة.
🎋قلت: ولكل طبعة من هذه الطبعات مزايا، وخصائص، والباحث الجاد لا يضيق ذرعاً بها، بل يستفيد منها كل الفائدة في بحوثه ودراساته، لا سيما في حل المشكلات التي تعترضه.
🎋وأرى أن الوقت قد حان بعد صدور هذه الطبعات لمراجعة شاملة للحكم على أحاديثه، والاستفادة من أعمال الأئمة السابقين، وكذلك الاستفادة من أحكام المعاصرين، كأعمال الشيخين: الألباني وشعيب الأرنؤوط رحمهما الله.
لا سيما بعد صدور البرامج الإلكترونية للسنة النبوية.
🎋ومن أهم البحوث:
دراسة جادة للأحاديث التي قيل أنها موضوعة وهي في المستدرك، فقد يتبين أنها ليست كذلك، والأمر متروك للدراسات الجادة المستقلة من العلماء الراسخين في علم الحديث، من أمثال: الأستاذین الكبيرين:
الأستاذ العلامة المحدث الشيخ محمد عوامة، والأستاذ العلامة المحدث الشيخ أحمد معبد، وهما من أمثل علماء العصر في إتقان فنون الحديث النبوي حسب منهج أئمتنا.
🎋ثانياً: للأستاذ البحاثة الأخ محمود شذا النحال، كلمة منصفة بيَّن فيها منزلته، وأهميته، ومصادره، فقال:
أهمية «المُسْتدرك الجامع الصَّحيح على شرط الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري أو واحد منهما مما لم يخرجاه» للحاكم أبي عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري
لا تقف معرفة قيمة أي كتاب عند بُعْد صِيته، وذيوع خبره، واشتهار أمره، بل ربما لم تكن هذه الأمور تقييمًا صادقًا لأهمية كتابٍ ما، وإنما تظهر قِيمة الكتاب في خدمته من قِبَل العلماء، ومدى إعجاب المتخصِّصين به.
فالكتاب إذا كان طريفًا في موضوعه، جديدًا في بنائه، فإنه يثير فضول الباحثين، فيتعرضون له إما بالنَّقد، أو بالاستدراك، أو بالشَّرح والبيان لما غَمض منه، أو بالتَّذييل عليه فيما أغفله، أو بِرَدِّ بعض محتوياته.
وهذا «المُستدرك على الصَّحيحين» لأبي عبدالله الحاكم، كم من طاقات جُنِّدت لتتبُّعه وتَرَصُّده، فكُتِبَتْ حوله العديد من الكتب المتنوعة.. واستمر فيه الأخذ والرد.
وسأذكر طُرفًا من مزايا «المُستدرك»، ثم أُتْبِعه بذكر عناية العلماء به؛ ليُستدَلَّ به على عِظَم أهمية الكتاب، ولعل أنظار الباحثين تتَّجه إلى دراسته، والاستفادة منه من منظور مختلف.
ومن أجلِّ الفوائد التي ذكرها مغلطاي الحافظ حول شرط الحاكم في «مُسْتدركه»، ويمكن الاعتذار بها عن الكثير من الأوهام التي ألحقها الباحثون بأبي عبدالله، وحطت من قدر «مستدركه»: .. وقول الحاكم فيه: «صحيح على شرط مسلم» غير جيد؛ لأن المطلب وجده ليسَا في كتاب مسلم، إنما هما في كتاب الترمذي فقط؛ اللهم إلا أن يُريد أنهم كرجال مسلم في الثقة على ما ذكره في ديباجة كتابه فلا إيراد عليه.
من أهم مزايا «مُسْتدرك أبي عبدالله» ما تضمَّنه من:
- نُقولاتٍ مُسْندة عن كُتُب نفيسة فُقِد أغلبُها، حتى أصبحنا نأخذ النَّص وكأننا نرى المصدر الذي استُقِي منه، كـ:
«الجامع» لسُفيان الثَّوري، رواية العدني.
«المُسْند» لأحمد بن حَازم بن أبي غَرَزَةَ.
«المُسْند» لمسدَّد بن مسَرْهَد، رواية مُعاذ بن المثنى.
«المُسْند» لعلي بن حمشاذ العدل.
والعديد من كُتب عَبْدالله بن المبارك
وكتب عَبْدالله بن وهب المصريِّ.
«حديث سَعدان بن نصر»، رواية الرَّزاز.
«حديث سُفيان بن عُيينة»، رواية علي بن حرب الطَّائي.
والعديد من أجزاء أحاديث مشايخه كـ:
أبي بكر الصِّبْغيّ.
وأبي العباس الأصم.
وأبي بكر النَّجاد.
وهذه الأجزاء لو كُتِبَت بماء الذَّهب لكان قليلًا في حقِّها؛ لشرفها وعُلُوِّ سندها.
- النَّقل عن كثير من كُتب إمام الصنعة علي بن عَبْدالله المَدِيني، وقد وقع للحاكم غير ما كتاب منها؛ خاصة كتبه المصنَّفة في العلل.
- وكذا النَّقل عن مصنفات مسلم في العلل، كـ «ما أخطأ فيه مَعْمر بالبصرة».
- نُقُولات عن كتبٍ وصلتنا، ولكن المطبوع منها يعتريه بعض النَّقص، كـ «التَّاريخ عن أبي زكريا ابن معين»، رواية الدُّوري عباس.
- تَصْويبات لعشرات المواضع المحرفة التي اقتبسها البيهقيُّ من هذا الكتاب، ورواها في «الخلافيات».
- عشرات النُّصوص المخرَّجة عند الشَّيخين، لكن بتغيير في بعض صِيَغ الأداء والتَّحمل، أو زيادة في المعنى.
- مئات الأحكام على الأحاديث من ناحية الصِّحة والضَّعف، والقبول والرَّد.
- أحكام الحاكم على الرُّواة بالجرح والتَّعديل، وتُقَدَّر بالمئات.
- ذِكْر مذاهب كبار النُّقاد في قبول الأحاديث ورفضها، كـ:
مذهب أبي سَعيد عبدالرحمن بن مهدي في المسامحة في أسانيد فضائل الأعمال.
- مذاهب الرواة الذين لا يُحدِّثون إلا عن ثقة؛ كزائدة بن قدامة.
- المناظرات العلمية بين كبار المحدِّثين؛ كمناظرة الوضوء مِن مَسِّ الذَّكَر التي جرت في مَسْجد الخَيْف بين أساطين النُّقَّاد: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين.
- بيان مذهب الشَّيخين؛ في كون تفسير الصَّحابي الذي شهد الوحي والتَّنزيل عندهما حديثًا مُسْندًا.
- الإبانة عن مذاهب الشَّيخين في تَرْك تخريج بعض الأحاديث؛ للعلل الواقعة فيها، وبيان هذه العلل.
- أبواب لم يُخرِّج الشَّيخان فيها شيئًا من الأحاديث.
- اقتباس مئات النُّصوص المسندة، والحكم على سندها صحةً وضعفًا، كـ «المُسْند» لأحمد بن حنبل.
و«المصنف» لعبدالرزاق، رواية الدبري.
و«التَّفسير» لآدم بن أبي إياس، أو «تفسير ورقاء، عن ابن أبي نجيح» المطبوع باسم «تفسير مجاهد».
- ذِكْر أوجه الخلاف على الرُّواة بسند الحاكم، وبيان الراجح والمرجوح منها.
- حِفظ أقوال في الجرح والتعديل عن كبار الأئمة، وهي من الأهمية بمكان، لا سِيما أن المصدر التي اقتبس منها لم يصلنا.
- قواعد حديثية نادرة، نحو تعليق الحاكم على قول إبراهيم بن هانئ، قال: قال لنا أبو اليمان: «الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي حُسين غلطتُ فيه بورقة قلبتُها».
فقال الحاكم: «هذا كالأخذ باليد؛ فإن إبراهيم بن هانئ ثقة مأمون».
(مستمد من مقدمة أبي شذا محمود النحال للمستدرك ط. المنهاج القويم)؛ بتصرف.
وفي هذه المقدمة التي كتبها فوائد كثيرة يحسن الاطلاع عليها.
أ.د.عبدالسميع الأنيس