أهمية «المُسْتدرك الجامع الصَّحيح على شرط الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري أو واحد منهما مما لم يخرجاه» للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري
لا تقف معرفة قيمة أي كتاب عند بُعْد صِيته، وذيوع خبره، واشتهار أمره، بل ربما لم تكن هذه الأمور تقييمًا صادقًا لأهمية كتابٍ ما، وإنما تظهر قِيمة الكتاب في خدمته من قِبَل العلماء، ومدى إعجاب المتخصِّصين به.
فالكتاب إذا كان طريفًا في موضوعه، جديدًا في بنائه، فإنه يثير فضول الباحثين، فيتعرضون له إما بالنَّقد، أو بالاستدراك، أو بالشَّرح والبيان لما غَمض منه، أو بالتَّذييل عليه فيما أغفله، أو بِرَدِّ بعض محتوياته.
وهذا «المُستدرك على الصَّحيحين» لأبي عبد الله الحاكم، كم من طاقات جُنِّدت لتتبُّعه وتَرَصُّده، فكُتِبَتْ حوله العديد من الكتب المتنوعة.. واستمر فيه الأخذ والرد.
وسأذكر طُرفًا من مزايا «المُستدرك»، ثم أُتْبِعه بذكر عناية العلماء به؛ ليُستدَلَّ به على عِظَم أهمية الكتاب، ولعل أنظار الباحثين تتَّجه إلى دراسته، والاستفادة منه من منظور مختلف.
ومن أجلِّ الفوائد التي ذكرها مغلطاي الحافظ حول شرط الحاكم في «مُسْتدركه»، ويمكن الاعتذار بها عن الكثير من الأوهام التي ألحقها الباحثون بأبي عبد الله، وحطت من قدر «مستدركه»: .. وقول الحاكم فيه: «صحيح على شرط مسلم» غير جيد؛ لأن المطلب وجده ليسَا في كتاب مسلم، إنما هما في كتاب الترمذي فقط؛ اللهم إلا أن يُريد أنهم كرجال مسلم في الثقة على ما ذكره في ديباجة كتابه فلا إيراد عليه.
من أهم مزايا «مُسْتدرك أبي عبد الله» ما تضمَّنه من:
- نُقولاتٍ مُسْندة عن كُتُب نفيسة فُقِد أغلبُها، حتى أصبحنا نأخذ النَّص وكأننا نرى المصدر الذي استُقِي منه، كـ:
«الجامع» لسُفيان الثَّوري، رواية العدني.
«المُسْند» لأحمد بن حَازم بن أبي غَرَزَةَ.
«المُسْند» لمسدَّد بن مسَرْهَد، رواية مُعاذ بن المثنى.
«المُسْند» لعلي بن حمشاذ العدل.
والعديد من كُتب عَبْد الله بن المبارك
وكتب عَبْد الله بن وهب المصريِّ.
«حديث سَعدان بن نصر»، رواية الرَّزاز.
«حديث سُفيان بن عُيينة»، رواية علي بن حرب الطَّائي.
والعديد من أجزاء أحاديث مشايخه كـ:
أبي بكر الصِّبْغيّ.
وأبي العباس الأصم.
وأبي بكر النَّجاد.
وهذه الأجزاء لو كُتِبَت بماء الذَّهب لكان قليلًا في حقِّها؛ لشرفها وعُلُوِّ سندها.
- النَّقل عن كثير من كُتب إمام الصنعة علي بن عَبْد الله المَدِيني، وقد وقع للحاكم غير ما كتاب منها؛ خاصة كتبه المصنَّفة في العلل.
- وكذا النَّقل عن مصنفات مسلم في العلل، كـ «ما أخطأ فيه مَعْمر بالبصرة».
- نُقُولات عن كتبٍ وصلتنا، ولكن المطبوع منها يعتريه بعض النَّقص، كـ «التَّاريخ عن أبي زكريا ابن معين»، رواية الدُّوري عباس.
- تَصْويبات لعشرات المواضع المحرفة التي اقتبسها البيهقيُّ من هذا الكتاب، ورواها في «الخلافيات».
- عشرات النُّصوص المخرَّجة عند الشَّيخين، لكن بتغيير في بعض صِيَغ الأداء والتَّحمل، أو زيادة في المعنى.
- مئات الأحكام على الأحاديث من ناحية الصِّحة والضَّعف، والقبول والرَّد.
- أحكام الحاكم على الرُّواة بالجرح والتَّعديل، وتُقَدَّر بالمئات.
- ذِكْر مذاهب كبار النُّقاد في قبول الأحاديث ورفضها، كـ:
مذهب أبي سَعيد عبد الرحمن بن مهدي في المسامحة في أسانيد فضائل الأعمال.
- مذاهب الرواة الذين لا يُحدِّثون إلا عن ثقة؛ كزائدة بن قدامة.
- المناظرات العلمية بين كبار المحدِّثين؛ كمناظرة الوضوء مِن مَسِّ الذَّكَر التي جرت في مَسْجد الخَيْف بين أساطين النُّقَّاد: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين.
- بيان مذهب الشَّيخين؛ في كون تفسير الصَّحابي الذي شهد الوحي والتَّنزيل عندهما حديثًا مُسْندًا.
- الإبانة عن مذاهب الشَّيخين في تَرْك تخريج بعض الأحاديث؛ للعلل الواقعة فيها، وبيان هذه العلل.
- أبواب لم يُخرِّج الشَّيخان فيها شيئًا من الأحاديث.
- اقتباس مئات النُّصوص المسندة، والحكم على سندها صحةً وضعفًا، كـ «المُسْند» لأحمد بن حنبل.
و«المصنف» لعبد الرزاق، رواية الدبري.
و«التَّفسير» لآدم بن أبي إياس، أو «تفسير ورقاء، عن ابن أبي نجيح» المطبوع باسم «تفسير مجاهد».
- ذِكْر أوجه الخلاف على الرُّواة بسند الحاكم، وبيان الراجح والمرجوح منها.
- حِفظ أقوال في الجرح والتعديل عن كبار الأئمة، وهي من الأهمية بمكان، لا سِيما أن المصدر التي اقتبس منها لم يصلنا.
- قواعد حديثية نادرة، نحو تعليق الحاكم على قول إبراهيم بن هانئ، قال: قال لنا أبو اليمان: «الحديث حديث الزهري، والذي حدثتكم عن ابن أبي حُسين غلطتُ فيه بورقة قلبتُها».
فقال الحاكم: «هذا كالأخذ باليد؛ فإن إبراهيم بن هانئ ثقة مأمون». (مستمد من ديباجة أبي شذا للمستدرك ط. المنهاج القويم)؛ بتصرف.
أ. أبو شذا محمود النحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية