صور وخواطر
من حياة العلامة الشيخ مصطفى الأعظمي
رحمه الله تعالى (1350-1439)
وجهوده في خدمة الحديث النبوي
وتحقيق مخطوطاته
بقلم
د. عبدالسميع اﻷنيس
العلامة الشيخ محمد مصطفى اﻷعظمي أحد أهم علماء الحديث النبوي الشريف في هذا العصر، وأبرز المتخصصين فيه، لاسيما في مجال الدفاع عن السنة، ورد اﻷباطيل والشبهات المثارة حولها بلغة علمية رصينة.
وغياب أمثال هؤلاء الراسخين خسارة فادحة للعلم وأهله، ونسأل الله أن يعوض اﻷمة بأمثاله من العلماء المتفرغين الذين بذلوا حياتهم للعلم.
وكنت قد التقيت به في مؤتمر القاضي عبدالوهاب البغدادي، الذي نظمته دار البحوث للدراسات اﻹسلامية وإحياء التراث في دبي، سنة (2003) وحاورته حول عدد من القضايا المتعلقة ببحثي: "منهج البحث العلمي عند علماء الحديث". فرأيت فيه سمت العالم المتأني، البصير بقضايا الحديث النبوي في هذا العصر، البعيد عن اﻷضواء. وهو صورة صادقة لعلماء الحديث النبوي في ديوبند، وهي أشهر جامعة للعلوم الشرعية والحديثية في شبه القارة الهندية في العصر الحديث.
وفي رحلتي إلى إصطنبول سنة (2013) أهداني الصديق العزيز اﻷستاذ الدكتور رجب شنتورك مصورة طبق اﻷصل من مخطوطة الجامع الصحيح لﻹمام البخاري، وهي من أقدم نسخ البخاري وأصحها كتبها اﻹمام النويري سنة (725) من الهجرة، وعندما اطلعت عليها رأيت أن الفضل يعود للدكتور محمد مصطفى اﻷعظمي في الكشف عنها، والسعي في تصويرها، ثم كتابة دراسة مهمة جدا عنها.
وقد ذكر رحمه الله أن الشيخ نظام يعقوبي هو من تكفل بتكاليف الطباعة الباهظة لمثل هذا المشروع لاسيما أنه كان باﻷلوان، فجزاه الله خير ما يجزي المحسنين.
وقد رأيت جهوده العظيمة في نشر السنة وتدريسها في تركيا، وهو جانب مهم يحتاج من اﻹخوة اﻷتراك الكتابة عنه، وإبرازه.
كما يلاحظ أن للراحل الشيخ مصطفى في تحقيق المخطوطات رؤية متميزة، فهو يعمل على تحقيق المخطوطات التي تخدم مشروعه في الدفاع عن الحديث الشريف، وإبراز توثيقه، بأدلة مادية تناسب العصر الذي نعيش فيه، وقد نجح بذلك نجاحا ملحوظا، فجزاه الله خير ما يجزي المحسنين في أعماله التي قدمها في خدمة حديث النبي ﷺ.
وأدعو الجهات العلمية للقيام بجمع كل آثاره العلمية وطبعها؛ ﻷهميتها في الدراسات القرآنية والحديثية المعاصرة.
وفيما يأتي موجز عن هذا العالم:
أولا: نشأته ودراسته:
1- ولد رحمه الله في بلدة مئو، التابعة لمدينة "أعظم كره" بالهند سنة (1350) وهي مدينة العلامة شبلي النعماني، والعلامة المحدث حبيب الرحمن اﻷعظمي رحمهما الله تعالى.
2-درس في بلدته، ثم تخرج من دار العلوم بديوبند سنة (1370) وقد أخذ فيها عن العلامة المحدث الشيح حسين أحمد المدني (ت:1377)
3-التحق بكلية أصول الدين في جامع الأزهر بمصر، وتخرج فيها سنة (1955) وحصل على شهادة العالمية مع الإجازة بالتدريس.
4-حصل على الدكتوراة من جامعة كمبردج (1966) وكانت رسالته الدكتوراة التي قدمها في اللغة الانكليزية: "دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه".
وفيها رد قوي على أباطيل المستشرقين وشبهاتهم، ولاسيما شاخت صاحب "نظرية اﻷسانيد الاعتباطية" سيئة الصيت، التي يتهم فيها المحدثين في القرون اﻷولى بالتلفيق.
ثانيا: تدريسه ووظائفه:
1- عمل مدرسا للغة العربية لغير الناطقين بها في قطر سنة(1955) وعين أمينا لدار الكتب القطرية سنة (1966)
2-قَدِم إلى مكة المكرمة ودرّس بكلية الشريعة (1968-1973)
3- انتقل إلى الرياض مدرساً مصطلحَ الحديث في قسم الثقافة الإسلامية -كلية الشريعة في جامعة الملك سعود قرابة (18) سنة إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة (1991).
4-دُعي أستاذاً زائراً في كبرى الجامعات في أمريكا وأوروبا.
ثالثا: أشهر مؤلفاته:
تتميز كتاباته بالبحث والتحقيق، ومن أهم كتبه المطبوعة:
1- دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه. وهو من أهم كتبه، وقد أشرت إليه في المقدمة. طبع عدة طبعات، أهمها: طبعة المكتب اﻹسلامي في مجلدين سنة (1400).
2-منهج النقد عند المحدثين: نشأته وتاريخه، وحقق معه كتاب التمييـز لﻹمام مسلم.
طبع في المكتب اﻹسلامي ببيروت، سنة (1994)
3-حقق الموطأ للإمام مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي، بالاعتماد على نسخ خطية.
ولكن لبعض أهل العلم ملاحظات على عمله.
4-حقق السنن لابن ماجه.
5- حقق الموجود من صحيح ابن خزيمة.
6- تاريخ تدوين القرآن الكريم، وهو من أهم كتبه، وقد طبع طبعات متعددة في البلاد اﻹسلامية والغربية. وهذا الكتاب كان ردا على مقال بعنوان: "ما هو القرآن" للكاتب الصحفي توبي ليستر نشره سنة (1999) في عدد يناير من مجلة أتلانتيك منثلي.
7- كُتّاب النبي ﷺ. وقد طبع في المكتب اﻹسلامي ببيروت، سنة (1394)
8-دراسة نقدية لكتاب أصول الشريعة المحمّدية للمستشرق شاخت.
9- مغازي رسول الله لعروة بن الزبير.
10- دراسات منهجية في علم الحديث، باللغة الإنجليزية، وقد طبع عدة طبعات، آخرها في ماليزيا. وله أشياء غير ذلك.
11-النص القرآني الخالد: دراسة مقارنة لسورة اﻹسراء في(19) مصحفا مخطوطا عبر العصور...بالعربية والانكليزية..
من أهم الخدمات التي قدمها رحمه الله قبل وفاته.
وهو مشروع طالما دعوت إليه؛ ﻷنه دليل مادي على حفظ الله سبحانه للقرآن.
وقد أثبتت الدراسة التطابق التام بين هذه المصاحف عبر العصور؛ مما يثبت باﻷدلة المادية عدم تحريف القرآن الكريم.
وهو دليل ينفع غير المسلمين؛ ﻷنه يرد على المستشرقين شبهاتهم وأباطيلهم.
نال جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية سنة (1400)، ومن مآثره الحميدة إعلانه عن تبرّعه بهذه الجائزة السخية للطلبة النابهين من فقراء المسلمين.
رابعا: قالوا فيه:
قال د. أكرم الندوي: "وقد كان له التأثير البالغ في الأوساط العلمية الغربية في تصحيح كثير من المفاهيم عن حفظ القرآن الكريم وتدوين السنة".
وقال د. عبدالسميع اﻷنيس:
العلامة الشيخ محمد مصطفى لأعظمي رحمه الله هو أحد اﻷعلام البارزين من شبه القارة الهندية.
وقد قدم دراسات مهمة حول الحديث النبوي، لا سيما في مجال توثيق النص النبوي، ورد بعلم متين وبصيرة الشبهات التي أثارها أعداء اﻹسلام حوله".
وقال آخر: "كان عالماً مغمورا، ولم يرغب بالظهور، ولم يُستفَد منه كما ينبغي إلا قليل من طلاب العلم".
وقال سيد عبد الماجد الغوري:
"كان رحمه الله أول مَن درَّس الحديثَ النبوي في جامعة هارفارد بأمريكا.
وأوّل مَن قام بتطويع الحاسوب الآلي (كمبيوتر) لخدمة الحديث النبوي.
وأول مَن كشف عن "صحيحَ ابن خزيمة" وقام بتحقيقه.
وأول مَن قام بدراسة علمية قيمة حول تدوين الحديث النبوي وتاريخه".
خامسا: وفاته:
توفي في يوم اﻷربعاء، الثاني من ربيع الثاني سنة(1439)، ودفن في مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، رحمه الله رحمة واسعة.
د. عبد السميع اﻷنيس
مجموعة المخطوطات الإسلامية