• من أخبار التــراث :
"المدرسة النظامية وتاريخها"
جمع وتأليف إسماعيل بن أحمد بن فرج الموصلي
انتهى من كتابته سنة ١٣٦٢هـ ، وهو بخطه.
وسبب جمعه لهذا الكتاب كما ذكر في مقدمته :
أنه (( في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بعد الألف احتفل المصريون عن طريق الإذاعة بالمذياع (الراديو) بالأزهر الشريف بمناسبة مرور ألف سنة على بنائه .. )) ، فكان هذا دافعه لجمع كتاب في تاريخ المدرسة النظامية التي أنشأت في ذي القعدة سنة ٤٥٩هـ ..
والكتاب بعد أن أتمه ، ألحق فيه أشياء كثيرة ، ومثال ذلك أنه يقول : (( حاشية على ص٢١ س١٠ .. )) ، ثم يذكر الفائدة التي ألحقها .
والمؤلف هو إسماعيل حقي أحمد آل فرج الباقري الموصلي .
ولد في الموصل سنة ١٣١٠هـ ، وتوفي سنة ١٣٦٨هـ .
وهو باحث وشاعر ، قال الأستاذ محمد خير رمضان في "معجم المؤلفين المعاصرين في آثارهم المخطوطة والمفقودة وما طبع منها أو حقق بعد وفاتهم" :
(( رائد في الأناشيد القومية .
انتشرت موشحاته الوطنية وأناشيده في شمال العراق خاصة )) .
وذكر له كتابين ، هما :
١- كشف الغمامة في نجاة ما كتب على الرخامة .
٢- القضاء الإسلامي وتاريخه - الموصل .
وكتابنا هذا الذي ذكرنا مما يستدرك عليه ، ويضاف إليه .
وله كتاب آخر مطبوع ، بعنوان : "الآثار والمباني العربية في الموصل على ضوء النقد الحديث" .
وبعد هذه الإطلالة على هذا الكتاب وجامعه ، أسأل مشايخي الفضلاء : هل توجد في يومنا هذا مخطوطات كُتبت أو قُرأت في هذه المدرسة ؟
قد مَـنَّ الله علي بواحدة منها ، فله الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، وأسأل الله أن يكون هناك من وقف على غيرها فيتحفني بها ..
عندما تقف على مخطوطة كُتِبَت في مدرسة كهذه ، التي هي واحدة من أعرق مدارس الحضارة الإسلامية ، لا يسعك إلا أن تدع ما بيدك ، وتستلقي على ظهرك ، رافعاً مرساة فكرك ، مبحراً نحو تاريخ ( كوجه الحبيب ، وقلب الأديب ، وشعر الوليد بخط ابن مقله ) ..
لقد حوت هذه المدرسة خزانة كتب حافلة بنوادر المخطوطات ، كيف لا ، وقد كانت محط رحال العلم والعلماء ، عليها أوقفوا كتبهم ، وإليها أهدوا زبدة أفكارهم التي حوتها مؤلفاتهم !
بلغت مجلدات هذه الخزانة في أيام الإمام ابن الجوزي (ت ٥٩٧هـ) رحمه الله تعالى : نحو ستة آلاف مجلد ، إذ قال في كتابه "صيد الخاطر" :
(( ولقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية ، فإذا به يحتوي على نحو ستة آلاف مجلد )) .
ثم زادت بالكتب التي نقلها الخليفة الناصر لدين الله ، وبالكتب التي أوقفها العلماء عليها ..
قال المؤرخ ابن الأثير في حوادث سنة ٥٨٩هـ :
(( فيها ، أمر الخليفة الناصر لدين الله بعمارة خزانة الكتب بالمدرسة النظامية ببغداد ، ونقل إليها من الكتب النفيسة ألوفاً لا يوجد مثلها )) .
وقال سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان" : (( وفيها بنى الخليفة داراً للكتب بالمدرسة النظامية ، ونقل إليها عشرة آلاف مجلّدة ، فيها الخطوط المنسوبة )) .
وهذا لا يعني أنه لم يكن هنالك خزانة قبل ذلك ، بل كانت هناك خزانة الكتب الأصلية ، وتسمى : دار الكتب العتيقة .
وإذا أردت أن تتعمق في معنى قوله : (( لا يوجد مثلها )) ، فاسمع ما يقوله عاشق الكتب الوزير جمال الدين القِفْطي في "انباه الرواة" ، عند حديثه عن كتب أبي العلاء المعري بعد أن ساق أسماء كتبه :
(( قلت : وأكثر كتب أبي العلاء هذه عُدمت ، وإنما يوجد منها ما خرج عن المعرّة قبل هجوم الكفار عليها ..
فأما الكتب الكبار التي لم تخرج عن المعرّة فعدمت ، وإن وجد شيء منها فإنما يوجد البعض من كل كتاب .
فمن ذلك كتاب "الأيك والغصون" ، ولم أجد أحداً يقول رأيته ، ولا رأيت شيئاً منه ، إلى أن نظرت في فهرست وقف نظام الملك الحسن بن إسحاق الطوسي الذي وقفــه ببغـــداذ ، فرأيت فيه كتاب "الأيك والغصون" ثلاثة وستين مجلداً )) .
وفي "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي : أن عبدالسلام بن بندار القزويني (ت ٤٨٨هـ) : (( أهدى إلى نظام الملك أربعة أشياء لم يكن لأحد مثلها : غريب الحديث لإبراهيم الحربي ، بخط أبي عمر بن حيويه في عشر مجلدات ، فوقفه نظام الملك بدار الكتب ببغداد .. )) .
ومن الذين أوقفوا كتبهم عليها العلامة ابن النجار رحمه الله تعالى ، كما ذكر الحافظ ابن كثير ، فقال : (( وقف خزانتين من الكتب بالنظامية ، تساوي ألف دينار )) .
قال كوركيس عوّاد في "خزائن الكتب القديمة في العراق" ص١٥١ :
(( إن هذه الخزانة الحافلة التي ازدانت بها المدرسة النظامية ، قد تشتت شملها ، وتبعثرت كتبها بتوالي الأحداث عليها ، فلسنا نجد اليوم في خزائن الكتب المفهرسة ، شيئاً من بقايا كتب هذه الخزانة المندثرة )) .
فمن وقف على شيء فليتحفنا به مشكوراً مأجوراً ..
نسيت نفسي فأطلت ، وأرجو أن لا أكون قد أمللت ، فإن المحب إذا وصف حبيبه أطال ، وشابه في هذره الأطفال ، فأحرى بالمستمع أن يرحمه ، ويقيل عثرته ..
أ. شبيب العطية
مجموعة المخطوطات الإسلامية