المكتبة الإسلامية بمدريد
العمق التراثي وجراح الاغتراب
الحمدُ لله واصلِ الآمال بما يجريها نميرًا دفاقًا، والصلاة والسلام على أحمدَ المبعوثِ على فترة من الرسل كِفاءً وِفاقًا، وعلى عِترته الأطهرين، وصحابته المصطفَيْنَ، ومَن لزم سبيلهم قاصدًا سبَّاقًا.
وبعدُ، فإنك لا تكادُ تَحُلُّ بالبلاد الإسبانيَّة حتى تتخطَّف ذهنَك الشجونُ، وتذهبَ بهمِّك شتَّى الشؤون؛ تخترق ذاتك، يستعصي كفُّها على سائد الأوضاع، فتجوسُ بك خلال المَضَابِئ ونائي الدور والآثار، حتى تصلك بأمارات نسبِك الأول السليب، ومعالمِ مجدِك الأثيل المهيب!
هنالك تقعد أَسِفًا مَحزونًا! تعاني ألمَ الفِصام، تُناطِقُ تلك الآثارَ وتُناطِقُك، تفضيانِ إلى بعضكما إفضاءَ غريبَيْنِ؛ تُلَمْلِمان الباقي من مشهد الوصْل، وتصطنعان المعابرَ لاسترداد الدار والأهل!
من تلك المعالم والآثار ما تحتوي عليه (المكتبة الإسلامية) بمدينة مدريد من ذخائرِ تراثِنا الإسلامي العربي، المحفوظِ في رفوف قَبْوِها الساحر[1] منذ أكثر من ستين عامًا، ويودُّ القائمون على حفظِه وصيانته وعرضِه لو مُدَّت إليه أيادي أهلِه كلَّ يوم، بل كل ساعة، ليصافحوه ويتصفَّحوه وينتفعوا به.