على بركة الله بدأنا بقراءة كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري، في المجالس العلمية التي تعقد في مسجد الجامعة القاسمية، بتنفيذ وإدارة المنتدى الإسلامي التابع لحكومة الشارقة..
وكان المجلس العلمي الأول يوم السبت (٢٦) من ربيع الأول سنة (١٤٤٠) وموضوعه: مدخل عام عن الكتاب ومصنفه الإمام البخاري رحمه الله تعالى.
وقد كتبت بعض الملاحظات حول الكتاب، هذه أهمها:
⚘هو كتاب: "حوى من الآداب الفاضلة، والأخلاق الكاملة ما ورد عن سيد الأنبياء، ومن خيرة أصحابه العظماء، ومن تبعهم من العلماء الاتقياء.. فهو من أحسن ما أُلِّف، وألطف ما صنِّف، وأحكم ما رصف، وأجمل ما يرغب فيه ويحرص عليه..
لكن الطالب لا يعرف قدره ببداهة النظر، وإن كان فطنا ذكيا، وقلَّ مَنْ يلتقط ما فيه من حِكَم عالية، ودرر غالية.."ّ كما قال الشيخ فضل الله الجيلاني.
⚘لاحظت أنه خلت عدد من طبعات الكتاب مما اطلعت عليه من دراسة جادة عن الكتاب..
وقد سمي بالمفرد، تمييزاً عن كتاب الأدب في الجامع الصحيح..
وعدد أحاديثه: (١٣٢٢)
بينما عدد أحاديث كتاب الأدب في الصحيح (٢٥٦) حديثاً.
يضاف إليها: ما يقرب من (١٥٠) حديثاً وجدتها مخرجة في كتاب الاستئذان، واللباس، والأطعمة، والأدعية، والمرضى، والنفقات وغير ذلك.
وقد بلغ عدد الآثار فيه (٣٨٤) من أصل(١٣٢٢).
وفيه الصحيح والحسن والضعيف المنجبر بالشواهد، وهي قليلة.
⚘مَنْ ألَّف في الأدب من المحدثين؟١- سبق الإمام في التصنيف في الأدب استقلالاً شيخه الحافظ حميد بن زنجويه النسائي (ت: ٢٥١) وهو حسب علمي مفقود.
٢- وسبقه في التأليف ضمن كتاب:
شيخه ابن أبي شيبة في مصنفه..
وقد اشتمل كتاب الأدب فيه على (١٤٦٢) حديثاً وأثراً عن الصحابة والتابعين.
وعليه فإنَّ كتاب الأدب المفرد يشبه المصنفات الحديثية من حيث التأليف..
وهو بهذا متأثر كثيراً بشيخه ابن أبي شيبة في مصنفه..
٣- ولا بدَّ من الإشارة إلى كتاب الجامع في آخر الموطأ للإمام مالك، وفيه (٣٧٦) حديثاً وأثراً في الآداب النبوية، وهو الأصل الأصيل في هذا الباب، ويُعَدُّ الإمام مالك هو المبتكر لهذا الفن المهم من التصنيف.
⚘لاحظت من خلال دراستي لكتاب الأدب المفرد أنه اشتمل على أنواع الآداب والأخلاق النبوية التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في كل شؤونه..
وعدد أبوابه (٦٤٤) مما يعني أنه احتوى على هذا العدد من العناوين المهمة التي تتصل بحياة المسلم في إدارة ذاته، وإدارة حياته باللغة المعاصرة، ومن ذلك فقه البناء والعمارة..
ومن المعلوم أن تراجم الأبواب عند المحدثين هي بمثابة شروح مختصرة للحديث.
ومن المحدثين الذين برعوا في فن التراجم: الإمام البخاري، حتى قالوا: فقه البخاري في تراجمه.
وظهر هذا الإبداع في كتابه الأدب المفرد أيضاً.
ومن الأمثلة على ذلك:
أنه رحمه الله أورد في باب عقوق الوالدين: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ ينهى عن كثرة السؤال، وإضاعة المال، وعن قيل وقال".
وقد سألني أحد الطلبة ما وجه إخراج هذا الحديث في باب العقوق؟
فقلت له: هذا من دقائق البخاري في تراجمه، كأنه يقول، إن كثرة سؤال الوالدين، وكثرة القيل والقال معهم، وجدالهم مما يؤدي إلى إضجارهم، باب من أبواب العقوق..
⚘ما أفضل طبعات كتاب "الأدب المفرد" للبخاري؟
طبع في:
-الهند (١٣٠٦) وإصطنبول (١٣٠٩)
ولم أطلع عليهما.
- طبعة الشيخ الجيلاني مع شرحه فضل الله الصمد جيدة، لكنه أطال في الشرح، مع قصور في التخريج
- طبعة الخانجي، جيدة لكن فيها تطويل في التخريج، مع قصور في ضبط النص، وشرح الكلمات الغريبة.
وهناك طبعات أخرى، لا يتسع المقام للحديث عنها..
⚘لم يعتمد طابعو كتاب "الأدب المفرد" على نسخة خطية نفيسة، قرئت على الإمام العز بن جماعة (ت:٧٦٧) فيكون عمرها (٧٠٠) سنة تقريبا وهي نسخة الإمام زكريا الأنصاري، أحد رجال سند الكتاب، يرويه عن شيخه ابن حجر بسنده.
وكل الشكر والدعاء للأخ المفضال الشيخ عبد العاطي الشرقاوي الذي أسعفني بها.
⚘لكتاب الأدب المفرد مخطوطات كثيرة، عدا ما ذكر، ولكنها متأخرة، منها: نسخة فيض الله، وهي نسخة جيدة، وهي من نوبة شرف الدين بن شيخ الإسلام زكريا، وفيها سماعات كثيرة لعدد من الأئمة..
وقد تفضل بإرسالها لي الأخ الكريم الشيخ عادل العوضي، فجزاه الله خير الجزاء، وهي بحاجة لدراستها..
والاعتماد عليها عند تحقيق الكتاب.
ومنها: نسخة الحرم المكي،
وقد تكرم فضيلة الشيخ الدكتور محمد التركي حفظه الله بإرسالهما لي.. فجزاه الله خيرا
ومنها: نسخة المسجد الأقصى،
وهي متأخرة، وهي بخط الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، (ت: ١٢٣٣) وقد تفضل بإرسالها لي الأخ المفضال يوسف الأوزبكي بارك الله في جهوده..
⚘شروحه:
لم نطلع على شرح لكتاب "الأدب المفرد" عند المتقدمين!
وكأنَّ شمس كتاب الجامع الصحيح، قد غطت عليه، لاسيما أنَّ فيه كتاب الأدب، بصورة مختصرة.
ولعل الله ادخر هذا الفضل لعالم من شبه القارة الهندية هو العلامة الأستاذ الشيخ فضل الله الجيلاني (١٣٩٩) رحمه الله، فقام بالمهمة خير قيام..
مهم جداً
والرجل عالم محقق متقن شهد له الكبار من علماء العصر رحمه الله تعالى لكنه كان من المغمورين..
ثم علمت أنَّ العلامة المحدث محمد بن محمد الحجوجي الحسني (ت: 1370) قام بشرحه، وسماه: "رشحات الأقلام التي تحمد وتسرد في شرح كتاب الأدب المفرد". وما يزال في عداد المخطوط، وهو في أربعة مجلدات.
وهناك بعض التعليقات لعدد من الباحثين، من ذلك: "رشُّ البَرَد شرح "الأدب المفرد" لمحمد لقمان السلفي.
وشرح "صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري"لحسين بن عودة العوايشة.
والمقصد الأرشد إلى "صحيح الأدب المفرد" لعصام موسى هادي.
شرح الأدب المفرد، لمحمد بن سعيد رسلان.
⚘للحافظ ابن حجر عناية بكتاب الأدب المفرد للبخاري، فقد قرأه على الشرف أبي بكر بن العز بن جماعة، بسماعه له من جده الإمام البدر ابن جماعة، كما ذكر ذلك في المعجم المفهرس..
وقد قام بتجريد زوائده على الكتب الستة، وحققه صالح إسماعيل، في رسالة علمية في جامعة أن القرى في مكة المكرمة..
-وللإمام السيوطي رحمه الله تعالى مختصر لكتاب الأدب المفرد
لكن لا أعلم عنه شيئاً.
-وزوائد الأدب المفرد على الصحيحين، لمحمد بن محمود بن مصطفى الإسكندري، طبع في دار ابن حزم.
-وقام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله بالحكم عل أحاديثه.
كما قام محققا طبعة الخانجي بالحكم عليها، وهذا يحتاج إلى دراسة..
مع مراجعة أحكام الشيخ شعيب الأرنؤوط من خلال أعماله التي تشترك الأحاديث فيها مع أحاديث الأدب المفرد.
⚘الأدب المفرد الجامع للآداب النبوية
هذا العنوان جاء في كتاب الأوائل الحديثية المئة الذي صنفه الأخ الشيخ عبدالله الأرمكي أحد طلابي في الدراسات العليا في جامعة الشارقة بإشرافي.
وهو عنوان لم يذكر في أوثق نسخة خطية، ولم يذكر في أفضل طبعاته!
ثم رأيت هذا العنوان على طبعة الأدب المفرد بتحقيق وتعليق الشيخ محمد إلياس الباره بنكوي، وقد طبع في المنتدى الإسلامي سنة (١٤٢٤)
وقد استمد شرحه من شرح الشيخ فضل الله الجيلاني، والحكم على أحاديثه من أحكام الشيخ ناصر الألباني كما صرح بذلك في مقدمة كتابه..
⚘راجعت عدداً من الكتب المصنفة في الأوائل الحديثية، وهو فن شاع في القرن الثاني عشر، فلم أجد ذكراً لكتاب الأدب المفرد!
ربما اكتفوا بالجامع الصحيح، وفيه كتاب الأدب، والله أعلم.
⚘وكتب الأخ الشيخ عبد الرحيم يوسفان:
جزاكم الله كل خير وتقبل منكم وأحسن إليكم، بقي سيدي الحبيب
- مَنْ أول من سماه بالأدب المفرد؟
- ذكر من روى الكتاب عن الإمام البخاري...
- عدد الأحاديث المشتركة بين الأدب المفرد والصحيح
- الأبواب المشتركة بين الكتابين...
- ما حجم التقاطعات بينه وبين بر الوالدين...
- حظ الكتاب من الرواية إلى عصرنا الحاضر... أقصد هل وصلنا مسلسلا بالسماع أم بسماع أوله وإجازة باقيه..
حجم اهتمام البخاري برواية الكتاب من خلال تتبع من رواه عن البخاري.
- بيان الفرق بين الكتابين من حيث درجة الحديث ونوعها من حيث قائلها..
- فالصحيح خصص للمرفوع فقط وكان هو المقصود في الاحتجاج.
فأجبته:
هذه أمور مهمة ينبغي التنبه لها عند دراسة الكتاب..
وقد لاحظت من خلال بعض كتب الأثبات أنه نقل في القرون الأخيرة عن طريق الإجازة غالبا..
وهذا يحتاج إلى بحث عن أسبابه؟
وكتب الأخ الدكتور رياض الطائي:
من العبارات النقدية التي ذكرت في توصيف أحاديث كتاب الأدب المفرد: ما قاله الإمام عبد الله بن عبدالرحمن الدارمي في صحة أحاديث الكتاب.
وهذه بحاجة إلى توجيه ودراسة.
مجلس شرح كتاب الأدب المفرد للدكتور عبد السميع الأنيس
أ. د. عبد السميع الأنيس
مجموعة المخطوطات الإسلامية