نبذة عن كتاب السير لشيخ الإسلام أبي إسحاق الفزاري ، رواية محمد بن وضاح
وقعت كوارث في المشرق كاجتياح المغول مرتين اجتياحًا شبه كامل، مرة بقيادة هولاكو، ومرة بقيادة تيمورلنك، الأولى دخلت بغداد عاصمة الخلافة العباسية وأسقطتها، وأخذت الكتب ورمتها في دجلة، وكانت آثار المداد تطفوا على النهر لكثرة الكتب.
وهذا يفسر أن بعض الأصول الخطية التي كتبت في بغداد أو البصرة أو غيرها لا توجد إلا في المغرب، لأن النسخ الأولى أتلفت في هذه الأحداث الرهيبة، في حين أن نسخًا نقلت عنها من قبل الرحالين من المحدثين والعلماء وأخذوها إلى بلادهم فبقي الكتاب في المغرب.
مثال ذلك تاريخ خليفة بن خياط فإن النسخة الوحيدة التي وصلت إلينا محفوظة في زاوية من زوايا المغرب اسمها تامكروت، في حين أن المؤرخ بصري، لكن البصرة ليس فيها نسخة من التاريخ، ولا في كل المشرق، وهذا ينطبق على كتب أخرى، كتاريخ ابن أبي خيثمة ..*
وهذه النسخة الفاسية الفريدة أو اليتيمة من كتاب السير للفزاري المعتمدة بهذا التحقيق سائرها بخط عباس بن أصبغ بن عبد العزيز الهمداني ، وعليها تملك خلف بن عبد الملك ابن بشكوال ، وبعضها كتب في حياة محمد بن وضاح
قلتُ: الأشبه أن هذه الأصول آلت إلى فاس عن طريق علماء أهل الأندلس القادمين عليها باستدعاء ملوك بني مَرين ، ومن يقارن خط هذه النسخة ببعض أجزاء التاريخ لابن أبي خيثمة يجد تطابقًا بين الخطين
وقد صنف في السير غير ما كتاب كان هذا الكتاب الأوفى والأعلى في عصره ليكون مرجعًا لمن جاء بعده من المجتهدين والحكام يهتدون به لسعته ودقته وأهميته. حتى قال الشافعي : لم يصنف أحد في السير مثل كتاب أبي إسحاق الفزاريّ.
ونظرًا لأن النصوص الإسلامية منفتحة على الزمان والمكان فقد سار هذا الكتاب مع الزمان والمكان ، ولا غرابة أن يهتدي به المسلمون في الأندلس ، وينتقل إلى هناك مع العلماء والرواة ليكون مرجعية ، ويشاء الله أن تبقى نسخته الوحيدة الآن وقد دونت في ذلك الصقع النائي من بلاد الإسلام ما بين (٢٧٠- ٣٨٠هج) أي قبل أكثر من ألف عام، فدالت فيها أمم وممالك وحضارات **
ويعد من أهم المصادر التي اعتمد عليها ابن جرير الطبري في كتاب اختلاف علماء الأمصار لا سيما في الجزء المتعلق بأحكام الجهاد والجزية والمحاربة الذي طبعه المستشرق الألماني يوسف شاخت سنة (١٩٣٣م)
والطبري ينقل عنه وجادة بواسطة معاوية بن عمرو الأزدي تلميذ الفزاري.
———————
*مناهج البحث للعمري (ص124).
** مقدمة تحقيق السير بتصرف يسير (١/ ٢٣).
أ. أبو شذا محمود النحال