فتوى شعرية للعلّامة: صالح البُلقيني في معلّم القرآن القائل: "أنا خير العباد"
تحقيق: ضياء الدين جعرير
بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذه فتوى للعلامة صالحٍ البُلقيني (ت: 868 هـ)(1)، فيمن قال: "أنا خير العباد" متحدّثًا عن تعليمه القرآن، وهل قوله هذا يقضي بأنّه خصّ نفسه بذلك دون غيره؟، جاء السّؤال نظمًا على بحر البسيط بقافية الميم المفتوحة، ثلاثة أبيات، وجاوبه العلامة صالح البلقيني نظمًا، في ثلاثة أبياتٍ على الوزن والقافية، وهذه الطريقة معروفة من قديمٍ في تاريخ التراث العربي الإسلامي، ولها نماذج وأمثلة كثيرة.مصدر النسخة:
ضمن مجموع في مكتبة برنستون بنيوجيرسي، أمريكا، أوله روضة الطالبين، ثم أسئلة وأجوبة، ثم رسالة فيما يخالف فيه الحر العبد لصالح البلقيني، وأخرى في صور تقبل فيها دعوى المجهول، ورقم استدعاء المخطوط: Garrett no. 762Y، وهي منسوخة في حياة المؤلّف بخطٍّ نسخيّ واضح مقروء، حجم الورق: 25.5 × 17.7 سنتمتر.
تصوّري لسبب السّؤال:
سافر خيالي وأنا أطالع الأبيات فتخيّل السّائل في مجلسٍ من المجالس، متحدّثًا في أمرٍ ما ثُمّ قال عن نفسه -عرضًا، ورُبّما في معرض الدّفاع عن نفسه- أنا خير العباد، وكان مراده -كما تخيلّت- وكما أجاب العلامة صالح رجاء دخوله في ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث عثمان بن عفّان رضي الله عنه: "خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه"(2)، فاعترض عليه معترض مستدلا بما يُعرف من أدلّة في النّهي عن تزكية النّفس كقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [سورة النّجم: 32]، وغير ذلك، فبيّن له الأوّل مقصودَه، فلم يُسَلّم له الأخير، فقام الأوّل برفع المسألة للعلّامة صالح للبتّ فيها وحسم الخلاف فأجاب العلّامة صالح، بأنّ مقصود الأوّل مشروع، ولا يستلزم أن يكون خصّ الخيرية بنفسه، وأنّها حقيقة بمن اتّصف بما يقتضيها.
الفتوى:
سئل مولانا شيخ الإسلام المُنَوّه باسمه أعلاه نظْمًا، وهو ما نصُّه:
ما قول سيّدنا قاضي القضاة ومن ### بعلمه قد غدا بين الورى علَما
فيمن يقول: (أنا خير العباد) وقد ### أراد تعليم أطفالٍ فهل هُوْ كَمَا (3)
وهل حديثُ رسول الله خُصَّ به ### أم لا، أجب سائلًا يا أوحد العُلَما
فأجاب مولانا شيخ الإسلام رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنّة متقلّبه (4) ومثواه:
نعم أراد به قول الرّسول (5) به ### يخصُّ قولًا له إذ وافق الكلما
وما حديث رسول الله خُصَّ به ### بل كُلّ متّصفٍ أيضًا به وُسِما
هذا جواب فقير للإله (6) ومن ### يُدعى بصالحٍ الرّاجي له كرما
----------------(1) الأعلام للزركلي: (3/ 194).
(2) صحيح البخاري: (5027) من طريق أبي عبد الرّحمن السّلمي عن عثمان رضي الله عنه، وفي آخره: "وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان، حتى كان الحجاج قال: وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا".
(3) بتسكين واو: (هو) ليستقيم الوزن، والمعنى: (فهل هو كما قال؟)، وقال د.عمر خلوف: (قوله: (فهل هو كما) يكسر الوزن حتر بإسكان الواو، والصواب حذف الواو بالكلية، كما في الشاهد المشهور: (فبَيناهُ يشري رحله..) يقصد: (فبينا هو يشري))
(4) قال د. عمر خلوف: (قوله: (وجعل الجنة متقلبه ومثواه)، يصح فيها: (مُنْقلَبه) أيضاً، وهي أجود عندي)).
(5) وهو حديث عثمان رضي الله عنه السّابق.
(6) في النّسخة: (فقير الإله) ويبدو لي أنّ الوزن لا يستقيم بها، وأنها: (فقير للإله)، والله أعلم بحقيقة الحال.
مجموعة المخطوطات الإسلامية