ابن تيمية والكيمياء
فوائد
علم الكيمياء الحديث شيء، ومساوىء علم الكيمياء القديم شيء آخر، فالحديث ينتفع به
الخلق تيسيرا من الله ولا يمنعه شيخ الإسلام ابن تيمية على أصوله في الحثّ على
تعلّم ما ينفع النّاس ويحقّق لهم المصالح الدّنيوية، أمّا علم الكيمياء القديم
فلمّا اقترن به كثير من السّحر والشّعوذة والخداع وغير ذلك منع منه الشّيخ، وقصّته
مع بعض الطّوائف المنحرفة مشهورة حيث كان
يدّهن بعضهم بزيت معه خلطة كيميائية معيّنة تمنع ـ بإذن الله ـ جلده من الاحتراق،
واتّخذ هذه الحيلة الكيميائية وسيلة لادّعاء الولاية ونشر أفكار مخالفة للتّوحيد
والسّنّة والشّريعة، وناظرهم شيخ الإسلام أمام الملأ المنخدعين بهم وأمر شيخهم
بالاستحمام ثمّ يلج الاثنان النّار، وقذف في قلب شيخ الإسلام أن يلجها ثقة بالله
في نصرة دينه كما نصره مع الخليل إبراهيم، وأنّه سيخرج بإذن الله سالما فضلا من
الله وكرما، فرفض شيخ الطّائفة الفكرة وأدرك أنّ الشّيخ الإمام انتبه لخدعته
الكيميائية، ولذا من الخطأ الشّنيع إلزام عالم عاش في القرن الثّامن الهجري بأنّه
يمنع علم الكيمياء الذي ازدهر في القرن الخامس عشر، بحجّة أنّه منع من تعلّم علم
الكيمياء في عصره المقترن بمساوىء عاينها بنفسه.
رحمة الله على شيخ الإسلام ابن تيمية، وما زال الأعلام الأخيار يقرّون
له بأنّه (( ذو
عقليّة جبّارة متحرّرة ))، ولو استقرأت كلامه وتقريراته العلميّة في سائر كتبه الجليلة لعلمت
أنّه (( يهوّل ويهوّش فقط )) على من رام الطّعن في الشّريعة
المحمّديّة، وهذا واضح كالشّمس ضياء، ولكن لا نملك لمن اتّسم بـ (( زيف كبير في التّصوّر )) واستعمل قياسا فاسدا في هذه القضيّة
إلاّ أن ندعو له بالهداية، ولله في خلقه شؤون.
د. جمال عزون
مجموعة المخطوطات الإسلامية
facebook, twitter, telegram: almaktutat