وجود نسخة المصنف، ووجود نسخة أخرى بها زيادات
الحمد لله وحده، وبعد:
فقد سألني غير ما واحد حول هذه القضية، فأجبته بما يمكن أن يكون نواة لتقريب هذه المسألة.
وعلى حد بحثي لم أقف على شيء جامع في هذا الأمر، والذي وقفت عليه مقتطفات منها كلام د. مصطفى جواد في «أماليه». وهذا الموضوع يحتاج إلى توضيح:
فمثلاً النسخ التي كتبها تلاميذ الحافظ ابن حجر من مصنفاته كـ الشمسين ابن حسَّان، والسخاوي، والتقي ابن فهد المكي، أتقن وأدق من النسخ التي كتبها الحافظ بنفسه؛ فهؤلاء الأعلام كتبوا كتب الحافظ كتابة بحث وتدقيق.
والسخاوي وقف على بعض مسودات كتب شيخه فبيضها وأتم تصنيفها كـ «إتحاف المهرة» وغيره، وكذلك التقي ابن فهد أكمل «إتحاف المهرة» وفق ما أرده المصنف، ونسخته هي الغاية في إخراج نص الكتاب وفق مراد المصنف، وهي مفرقة بين باكستان وليدن، فإذا ظفرت بنسخ بخط ابن حجر فلن تجدها مماثلة لما خطه هؤلاء الأعلام.
والأمر نجده في نسخة «فتح الباري» التي بخط بهاء الدين المشهدي؛ فهي أوسع من النسخ التي بخط الحافظ؛ فعليها إلحاقات كثيرة بخط الحافظ، ألحقها أثناء قراءة الكتاب، وأجاز هذه الطرر للبهاء، وعن نسخة البهاء تفرعت غير ما نسخة ذكر كل ناسخ أن من محاسن نسخته الإلحاقات التي نقلها من نسخة المشهدي.
وفي "مكتبة يوسف بك بقونيا" مجلدة من نسخة البهاء مطرزة بإلحاقات ابن حجر، وفِي "دبلن" مجلدة أخرى خليت من الإلحاقات، وتقتضي الحاجة أن نتتبع نسخة البهاء وننظر فيما ألحقه الحافظ ابن حجر.
وأيضًا الحاجة ماسة لتتبع ما كتبه العلامة السخاوي من مصنفات شيخه ابن حجر فهو مَعْنِيٌّ بكتابة ما تجدد لابن حجر إلحاقه، وقد نص السخاوي في «فتح المُغِيث» أن شيخه يميز ما يلحقه بالحمرة لتيسر إلحاقه لمن كتبه قبل.
وثَمَّ العديد من مصنفات ابن حجر وصلتنا بخط تلميذه السخاوي؛ أحفلها نسخة كاملة من «الإصابة في تمييز الصحابة» نقلها عن خط شيخه، لم تُعْتَمد في جل الطبعات، مفرقة بين "كوبريلي" و"آياصوفيا"، وعليها تعليقات بخط العلامة الداودي تلميذ السيوطي، وهو أحد أساطين التطريز على الأصول الخطية، فالحاجة حاقلة لمقارنة هذه النسخة بالمطبوع من «الإصابة».
وفِي "مكتبة فيض الله أفندي" مُجلدة غير معنونة من «تهذيب التهذيب» لابن حجر عليها تَمَلُّك السخاوي، ونص أنه ألحق ما تجدد فيها من إلحاقات بنسخته من «التهذيب»، وهذه المجلدة تخلَّلها قطعة من «تهذيب ابن حجر» بخط الناسخ المكثر البدر البشتكي، وقد ألحق الحافظ الكثير مما تجدد له، والبشتكي عدَّه السخاوي في «الجواهر» ضمن مَنْ كتب شيئًا من مصنفات ابن حجر، وذكر أنه كتب قطعة من «تهذيب التَّهذيب»، فوافق الخُبر الخَبر.
ومن هنا يلزم اقتفاء أثر ما خطه السخاوي من مصنفات شيخه ومقارنته بالمطبوع، كي لا يظل زبدة ما ألحقه في عداد المحبوس.
وللوقوف على ما كتبه السخاوي بخطه من مصنفات شيخه ينظر «الجواهر والدرر» نسخة "مكتبة الأحقاف"؛ فكل ما كتبه أشار إليه بالكاف، والكثير منه مما لم يسبق لتبيضه.
وقد اعتذر محقق «الجواهر والدرر» ط. ابن حزم بأن علامة الكاف لم تُثبَت في الأصول الخطية المعتمدة في تحقيق الجواهر. انتهى
وهذه العلامة مدونة في نسخة "الأحقاف" المعتمدة لدى المحقق، فلعل علامة الكاف لم تظهر لكون المصورة غير ملونة، وهذه آفة الاعتماد على "الميكروفيلم".
ولا يُفرَح بنسخ مصنفات العلامة السخاوي التي بخطه؛ فهو مكثر من تدوين الإلحاقات على العديد من النسخ التي ليست بخطه، وكتابه «المقاصد الحسنة» له نسخ كثيرة قرئت عليه وعليها خطه، ولكن ثم نسخة متأخرة في "تشستربتي" حافلة بالإضافات، وهي العمدة في إخراج نص الكتاب في صورته شبه الكاملة.
و«شرحه لمنظومة ابن الجزري» توجد منه نسخة في "دبلن" لم تُعتَمد في مطبوعة "مكتبة العلوم والحكم" بالمدينة، ومطبوعة "مكتبة فياض" بالمنصورة، وهذا النسخة بها زيادات وتصويبات كثيرة.
ومادة الشرح غاية في النفاسة، وغالبها مستقاة من «تذكرة العلماء» لابن الجزري، وقد دون فيه مباحث وتقييدات لم يأت بها في «فتح المغيث»، لا سيما مبحث "تعريف الأجزاء الحديثية"، وجل من استند على تعريف "الأجزاء الحديثية" اعتمد على «الرسالة المستطرفة» لآل الكتاني، وتعريفه غير منضبط.
وأيضًا البيهقي مُكثِر من الإبرازات، ويوجد جزء بخطه فيما يُقال من «السنن الكبير»، لكن إبرازة قديمة، وقد وقفت على نسخة من «السنن الكبير» منقولة من نسخة الحافظ العساكري تعرف بالنسخة الجديدة، وتدل على كون البيهقي عدَّل فيها، وقد غيَّر أيضًا في تجزئة عدد المجلدات، ونسخة التقي ابن الصلاح من «السنن» نقلت عن النسخة التي استقر عليها البيهقي.
والبهاء القاسم ابن الحافظ ابن عساكر في نُسخته من «المدخل إلى السنن» للبيهقي لفق بين عدة روايات، فأضاف ما زادته كل رواية على الأخرى، وميز بينها بـ «لا ... إلى»، فإذا قورنت نسخته بنسخة المصنف أو بنسخة أخرى سيكون بينهما تباين كثير.
و«كتاب اللآلئ المصنوعة» للسيوطي يوجد منه عدة نسخ قُرِئت عليه، وهي حافلة بتقييد السماع، لكنها غاية في السقم وكثرة البياضات، ويرجع ذلك لما حلَّ بالعلَّامة السيوطي، فقد منع من استعارة الكتب من "المحمودية".
وقد وُجِد نسخة خالية من قيود السماع غاية في الدقة، حيث أعاد السيوطي النظر في «اللآلئ» فصوب المصحف، وسد البياضات.
ويؤيد ذلك ما قاله العلامة الداودي في ترجمة السيوطي: «... «اللآلئ المصنوعة في الأخبار الموضوعة» ... كان شروعه فيه حال ضيق ومحنة أصيب بها أسوة العلماء قبله فبيّض للكثير منه، ثم فرّج الله عنه فسدّ البياض الذي فيه وحرر». انتهى.
والأمر يحتاج إلى ضابط؛ فيُنظر:
- هل عُرِفَ عن المؤلف أنه ممن يتجدد له إلحاقات بكتبه؟
- وهل الزيادات التي في النسخة المتأخرة تتوافق مع منهجية المؤلف؟
- وهل تواريخ وفيات المترجم لهم لا تتعارض مع تاريخ وفاة المؤلف، كأن يكون بعضهم تاريخ وفاته بعد وفاة المؤلف؟
- وهل هذه الزيادات أضافها أحد رواة الكتاب عن المؤلف؟
- وهل الناسخ تصرف في التأليف فألحق هذه الزيادات ظنًّا منه أن المؤلف أخل بها، كأن يكون التأليف اختصارًا لبعض الكتب، فأهمل المؤلف بعض التراجم من الأصول المختصرة؟
- وهل هذه الزيادات كانت طررا على الأصل المنسوخ منه، فأقحمها الناسخ في الأصل؟
- وهل بعض هذه الزيادات من مصادر لا يُعلم أنها لدى المؤلف ولَم يستخدمها من قبل؟
وصنيع المتأخرين من النساخ الهنود مقابلة النسخة على مصادر المصنف وإقحام الكثير من النصوص كصنيعهم في «معرفة السنن والآثار» للبيهقي، و«الاكتساب» للخيضري.
والأمر محل بحث؛ حيث إن كل هذه الحالات حدثت بالفعل في كتب وصلت إلينا. هذا والله أعلم.
أ. محمود النحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية