الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لمجموعة المخطوطات الإسلامية رابط متجدد

الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) [رابط متجدد]

الأعداد الكاملة لـلنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) @almaktutat رابط متجدد https://mega.nz/#F!JugA2KDT!4nTvCdymnFy...

الأربعاء، 9 أغسطس 2017

• خطوط ، وإجازات ، وأثبات ، وسماعات ، وتملكات .. (٤٣) ( فهرست قوافي لسان العرب ، بخط العــــلامة اللغوي رمضان عبدالتوّاب (ت ١٤٢٢هـ) رحمه الله تعالى ، ودرس من دروسه المفيدة في التحقيق )

• خطوط ، وإجازات ، وأثبات ، وسماعات ، وتملكات .. (٤٣)

( فهرست قوافي لسان العرب ، بخط العــــلامة اللغوي رمضان عبدالتوّاب (ت ١٤٢٢هـ) رحمه الله تعالى ، ودرس من دروسه المفيدة في التحقيق )

هذه النسخة حصلت عليها ولله الحمد والمنة مع غيرها من آثاره رحمه الله تعالى ، وما دفعني لوضع هذه دون غيرها هو ما كتبه في آخرها :
(( طبق الأصل عن نسخة بروفسور "زلهايم" رئيس معهد اللغات الشرقية بجامعة فرانكفورت - ألمانيا الغربية .
نقلها لنفسه
الدكتور رمضان عبدالتواب
في مائة ساعة خلال شهري أبريل ومايو سنة ١٩٦٨م )) .
فانظر إلى قيمة الوقت عند هذا العَلَم !
هذا العَلَم الذي لم يكتب الله لنا أن نلتقي به عياناً ؛ فالتقينا به خَطّاً مليحاً خطّه يراعه ، وكفى بالخطوط صلة، ورؤية ، ومحادثة ، ومجالسة ، ومعانقة ... إن للخطوط أنفاساً ، وللكتب أرواحاً ، وللحِبْـر ألسناً ناطقة تسمعها الجوارح !
وفي هذه الخاتمة درس مفيد للنسّاخ والقرّاء ، وهو ترتيب الوقت وإلزام النفس على الساعات المخصصة للكتاب المقصود .


ولد الدكتور رمضان عبدالتواب رحمه الله تعالى في قرية قليوب بمحافظة القليوبية بمصر في الثالث والعشرين من رمضان سنة ١٣٤٨هـ ، الموافق للواحد والعشرين من فبراير سنة ١٩٣٠م ، وسُمّي باسم الشهر الفضيل تيمناً به .
تلقى تعليمه في المدرسة الأوّلية ، وكان ترتيبه الأول ، وأتم حفظ القرآن الكريم استعداداً لدخول المعهد الديني ، وفِي أثناء حفظه للقرآن كان كثير السؤال عن معانيه ، مما دفع شيخه إلى نصحه بشراء تفسير الجلالين ، فاشتراه وكان سعيداً به ، وأتم حفظ القرآن في سنة ونصف ، وكانت سنّهُ في ذلك الوقت لا تتجاوز عشر سنوات .
وتخرج من كلية دار العلوم سنة ١٩٥٦م ، وكان ترتيبه الأول بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف ، ثم سافر إلى ألمانيا مبتعثاً عن طريق كلية الآداب - جامعة عين شمس ، ومكث خمس سنوات حصل فيها على الماجستير والدكتوراه في اللغات السامية من جامعة ميونخ بألمانيا بتقدير مرتبة الشرف الأولى سنة ١٩٦٣م .
في أثناء إقامته بألمانيا أتقن اللغات : الألمانية ، والسريانية ، والحبشية ، والأكادية ، والفارسية ، والتركية ، والفرنسية ، واللاتينية ، والعبرية ، والسبئية ، والمعينية .
وهذا يدل على نبوغه وسعة اطلاعه رحمه الله تعالى .

ومن طرائف تلك الفترة ، أنه رحمه الله كتب مقالاً ينتقد فيه طبعة كتاب "المزهر في علوم اللغة" للسيوطي ، وأراد نشره في مجلة معهد المخطوطات ، ولكنه لم يُنْشَر ، فقال رحمه الله تعالى وقد نشره في "مناهج تحقيق التراث" ص٢٢٢ : (( لقد أرسلت هذه المقالة من ميونخ بألمانيا الغربية إلى مدير معهد المخطوطات العربية بالقاهرة في مارس ١٩٦٠م ؛ ليتفضل بنشرها في مجلة المعهد ، ولكن المجاملات الشخصية لمحققي الكتاب من جانب ؛ ولأن الكاتب كان مغموراً آنذاك ، جعل مقالته تأخذ طريقها سريعاً إلى سلّة المهملات . وأنا حين أنشر هذه المقالة التي احتفظت بصورتها منذ ذلك التاريخ البعيد، أعتذر الآن إلى السيد المدير، والسادة المحققين رحمهم الله، والكاتب الذي لم يعد مغموراً ! )) .

وهذا الموقف لم يكن الأخير في حياة هذا العالم !
ففِي ألمانيا توثقت علاقته بكتاب "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام ، وهو يحكي لنا في مقدمة تحقيقه للكتاب أن علاقته به بدأت منذ سنة ١٩٥٩م ، ودرسه دراسة مستفيضة ، ثم عزم على تحقيقه ، وبعد أن حصل على الدكتوراة وعاد إلى مصر أواخر سنة ١٩٦٢م أنجز تحقيق الكتاب ، وأراد طبعه ، وهنا تبدأ المعاناة ، وفيها دروس وعبر !
قال رحمه الله تعالى في مقدمة تحقيقه للجزء الأول من الكتاب ص٥ :
(( ووجدت الفرصة أمامي سانحة ، لأتقدم بالكتاب إلى المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر (الدار المصرية للتأليف والترجمة) ، وهي مؤسسة حكومية ، ظننت أول الأمر أنها للمحققين المغمورين من أمثالي آنذاك ، ملاذ من جشع الناشرين وأطماعهم في القطاع الخاص (غير الحكومي) . ولكني كنت كمن يستجير من الرمضاء بالنار !
وتقدمت بطلب إلى هذه المؤسسة في ١٩٦٣/٢/٢م ، مشفوعاً بتحقيقي للكتاب ، وراجياً الموافقة على النشر ، وعرضت الإدارة المختصة هناك مذكرة بالموضوع ، مؤرخة في ١٩٦٣/٢/٦م ، على الأستاذ إبراهيم الابياري ، الذي وافق عليها بتاريخ ١٩٦٣/٢/١٢م ، وغمرتني الفرحة وأنا أرى المسئولين في الدولة يرعون الناشئين ، ويباركون خطواتهم على الطريق ، ولكن الفرحة لم تدم أكثر من بضعة أيام ؛ إذ أخبرني صديقي المرحوم الأستاذ سعيد إسماعيل عبده ، الذي كان يعمل في الموقع ، أن دَعِيّاً في المؤسسة ، ممن لم يحققوا في حياتهم كلمة ، ولا يعرفون من فن تحقيق التراث شيئاً ، يريد أن يضع اسمه بجوار اسمي على الكتاب ، ويقاسمني في تلك القروش القليلة التي كانت تصرف للمحققين في ذلك الزمان البعيد !
ورفضت هذا الابتزاز في إباء وشمم ، وعادت المفاوضات من جديد ، وازددت إصراراً على الرفض ، وجاء ردّ الفعل في تأشيرة وقعها من اسمه محمد القصاص ، بتاريخ ١٩٦٣/٦/٢٥م ، يقول فيها :
(( الغريب المصنف ، اقتراح الأستاذ الدكتور رمضان عبدالتواب : أعتقد أن المؤسسة تقوم الآن بتحقيق ونشر عدد كبير من المعاجم اللغوية ، وأنه يستحسن تأجيل نشر هذا الكتاب ، حتى لا تطغى هذه الناحية على منشورات الدار في المؤسسة طغياناً خطيراً ، يخل بالتوازن والخطة التي وضعت للتراث )) .
وهذا العدد الكبير من المعاجم اللغوية ، الذي ورد بهذه التأشيرة ، تمخض عن كتاب واحد ، هو : "تهذيب اللغة" للأزهري ، ذلك الكتاب الذي لا يعج بالأخطاء الفادحة في تحقيق بعض أجزائه فحسب ، بل سقطت منه بعض المواد التي استدركها الدكتور رُشَيد عبدالرحمن العبيدي ، من العراق الشقيق ، ونشرها في كتاب مستقل !
ونصحني أخي المرحوم سعيد إسماعيل ، أن أسحب تحقيقي للغريب المصنف ، الذي أُجِّلَ نشره بالمؤسسة ، حتى لا يختل التوازن ، وتترنح الخطة !
ويالها من خطة دنيئة ، وُضِعَت للسّطو على عملي آنذاك !
وسحبت الكتاب بالفعل ، وقدمته لمشروع "المكتبة العربية" ، الذي كان يشارك فيه ( المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية ) بوزارة الثقافة في مصر .
ووافق القوم هناك على نشره في ١٩٦٧/٤/١٥م ، وشجعني ذلك على تقديم كتابين آخرين صغيرين لهذا المجلس ، وهما : "البئر" لابن الأعرابي ، و"الأمثال" لمؤرج السدوسي . وتمت الموافقة على نشر الأول في ١٩٦٧/٦/١١م ، كما تمت الموافقة على نشر الثاني في ١٩٦٧/١١/٢٦م .
ولكن الأمر لم يَتَعَدّّ هنا أيضاً حدود الموافقة ، التي ظلت حبراً على ورق ، وبقيت الكتب المحققة تنتقل من مكتب إلى مكتب ، ومن عهدة موظف إلى عهدة آخر . وقد حدث على طريق الانتظار الطويل أن سطا واحد من هؤلاء الموظفين على ترجمتي لابن الأعرابي ، ونشرها في إحدى المجلات المصرية الشهرية ، وقال في ثناياها تجنباً للعتب والمؤاخذة : (( وقد ألف ابن الأعرابي فيما يذكر الدكتور رمضان عبدالتواب الكتب التالية ... )) ، ولكنه لم يُبين اسم الكتاب الذي ذكر فيه الدكتور رمضان عبدالتواب هذه المعلومات التي يعزوها إليه ! )) .

إن الفترة التي قضاها في ألمانيا كانت ثرية ، مليئة بالعطاء ، فقد كان ينسخ ويدرس ويعقّب وينتقد ، والكتاب الذي يستهويه كان يطلبه ، وعندما يصله يبدأ بنسخه ، ومن تلك الكتب التي نسخها بيده ومَنَّ الله بها علي ، كتاب "التعازي والمراثي" للمبرد ، ابتدأ نسخه سنة ١٩٦٢ في ألمانيا ، وأتمه في القاهرة ١٩٦٥/١١/٢٠م ، في ثلاثة أجزاء ، عن نسخة الأسكوريال المكتوبة سنة ٥٦٣هـ ، وكان يظنها الوحيدة ، ثم تبين له أن هناك نسخة في الرباط ، فكتب بياناتها .
والحمد لله أن هذه النسخة حصلتُ عليها مع قصاصاتها ، التي كتب فيها الفوائد التي سيبني عليها مقدمته ، وهي تستحق أن تفرد في دراسة لطريقته في التحقيق وجمع المادة العلمية ..
وقد وضعت نماذج منها لتكتحل بها عين كل مخلص لتراثه العربي العريق !

وبعد أن عاد إلى مصر وتسلم عمله مدرّساً بكلية الآداب في جامعة عين شمس ، لم يفتر ، بل زاد عطاؤه ، وزادت خبرته ، كما قال في مقدمة "الغريب المصنف" ص٧ :
(( وشغلت بعد ذلك عن الكتاب ، بأداء الحق الواجب تجاه أبناء العروبة في بعض الجامعات العربية ، لمدة خمس سنوات ، ثم شغلت بأعباء الإدارة ما بين وكيل وعميد لكلية الآداب لمدة خمس سنوات أخرى . وكنت سحبت الكتاب على أمل أن أفرغ لنشره في هذه الفترة ، ولكن الزمن الذي تغير ، والخبــرة التي زادت ، والتراث المعجمي وغير المعجمي  ، الذي ظهر خلال ربع قرن مضى ، كل ذلك جعلني أعيد النظر في تحقيق الكتاب والتقديم له من جديد )).

توفي الدكتور رمضان رحمه الله تعالى في الثامن من جمادى الآخرة سنة ١٤٢٢هـ ، الموافق للسابع والعشرين من آب أغسطس سنة ٢٠٠١م (١) .

والحقيقة أنني من المعجبين بهذا الإمام اللغوي الكبير ، فإن مقالاته وتأليفاته ، وتحقيقاته كلها تدل على علم راسخ ، ونفس طويل ، وصبر على التحقيق عجيب !

هذا العالم مدرسة راقية من مدارس التحقيق ، وتستحق أن تُفرَد له دراسة بعنوان "رمضان عبدالتواب ومنهجه في التحقيق" .
وأنصح الجميع بقرائة مقالاته ، ومقدمات تحقيقاته ، ففيها من العلم والمتعة ما تجعلك تعيد قرائتها دون أن تشعر بالملل !

وخذ درساً من دروسه في التحقيق لتعلم صدق مقالتي :

يقول رحمه الله تعالى في مقاله الماتع "في أصول البحث العلمي وتحقيق النصوص" ، مجلة المورد ، سنة ١٣٩٢-١٩٧٢، مج ١ :
(( ويعين على عملية تحقيق النص ، أن يتعقبه الباحث في مصادره الأولى ، ولا يقتنع به في أول مصدر تقع عليه عينه ... وقد عوّدتني التجارب الكثيرة أن العودة إلى المصادر الأصلية ضرورية جدّاً ؛ لأن كثيراً من هذه المصادر الثانوية ، قد تسيء فهم المصدر الأصلي أحياناً ، أو يصيبها التصحيف والتحريف أحياناً أخرى ))
ثم ضرب أمثلة ، اخترت منها :

١- قال رحمه الله تعالى : (( ومثل ذلك ما في "الفهرست" لابن النديم ، عند قوله في ترجمة المبرد (ص٩٥) ما نصه :
(( قال أبو سعيد رحمه الله : وقد نظر في كتاب سيبويه في عصره جماعة لم يكن لهم (كتب عنه) ، يعني المبرد ، مثل أبي ذكوان القاسم بن إسماعيل ... )) ، وذكر شخصين آخرين هما عسل بن ذكوان ، وأبو يعلى بن أبي زرعة .
وإذا كان الباحث العجلان يكتفي أحياناً بمثل هذا النص ، ليبني عليه أحكاماً ، فيدعي أن أبا ذكوان وزميليه كانوا من تلامذة المبرد ، غير أنهم لم يؤلفوا كتباً أخذوا مادتها عن المبرد ، فإن ذلك كله خطأ ؛ إذ انه ما قال أحد أن هؤلاء الثلاثة كانوا من تلامذة المبرد .
ويقضي المنهج العلمي في هذه الحالة ، أن تبحث المصادر التي اعتمد عليها "الفهرست" في هذه النقطة ، وقد رأينا النص يبدأ بعبارة : (( قال أبو سعيد رحمه الله )) ، فإذا عرفنا أن ابن النديم كان تلميذاً لأبي سعيد السيرافي ، وأن هذا الأخير قد ألف كتاباً سماه : "أخبار النحويين البصريين" ، كان علينا أن نبحث فيه عن النص الذي ذكره ابن النديم في كتابه الفهرست ، وبالفعل نجد النص في "أخبار النحويين البصريين" ص٨٠ ، وفيه :
(( وقد كان من نظرائه (أي المبرد) في عصره ، ممن قرأ كتاب سيبويه على المازني : جماعة لم يكن لهم (كَنَبَاهَتِه) ، مثل أبي ذكوان ... وعسل بن ذكوان ... وأبي يعلى بن أبي زرعة )) .
ومن هذه المراجعة للمصدر الأساسي ، نعرف أن عبارة : (( لم يكن لهم كتب عنه )) المذكورة في الفهرست ، ليست إلا تحريفاً للعبارة الأصلية : (( لم يكن لهم كنباهته )) ، ويظهر أن السر في هذا التحريف أن الألف في (( نباهته )) قصرت بعض الشيء ، وكذلك الهاء لم تكن واضحة تماماً ، فقُــرئت الكلمـة لهـذا السبب : كتب عنه )) .

٢- والمثال الثاني وهو مهم جدّاً ، ونلاحظه كثيراً في تحقيقات رمضان عبدالتواب ، وهو تخريجاته الموسعة للأبيات الشعرية !
قال رحمه الله تعالى :
(( هذا ، وترتبط فكرة الالحاح على رؤية النص الواحد في أكثر من مصدر ، للتحقق من صحته والاطمئنان إلى خلوّه من التصحيف والتحريف ، بفكرة تخريج النصوص الشعرية في النص الذي يراد نشره ؛ فقد سار جلة المحققين من المستشرقين والعرب ، على الاستقصاء في هذه المسألة ، والتنبيه إلى جمهرة المواضع التي ورد فيها هذا البيت أو ذاك ، المصادر التي بين أيديهم .
وقد يعيب بعض الناس هذا المنهج ؛ إذ يرون فيه مبالغة واسرافاً في التخريج ، كما ينادي بعضهم بالاكتفاء بمصدر أو مصدرين ، ولا سيما في الشعر المشهور المتداول .
وما درى هؤلاء وأولئك أن هذا التخريج المستقصى ، قد يفيد باحثاً أو محققاً ، يجد أمامه هذا البيت أو ذاك في سياق نثري غير مفهوم ، إما لاختصار مخل في العبارة ، وإما لتصحيف أو تحريف ، أصابا هذا النص في كتاب مطبوع أو مخطوط ، والوسيلة المأمونة العاقبة في مثل هذه الحالة ، هي البحث عن مثل هذا البيت في مصادره المختلفة ، لعله يعثر في بعضها على سياقه الخالي من الاضطراب والتشويش .
... وهذا مثال واحد يُبين مدى صدق هذا القول ؛ ففي شرح قصيدة عدي بن الرقاع ، التي نشرها الأستاذ عبدالعزيز الميمني في الطرائف الأدبية (ص٩٢-٩٧) شُرِح البيت التالي :
وبها مناخ قلّما نزلت به     ومصمعات من بنات مِعاها
بما يأتي : (( ... مصمعات يعني بعذاب ملتزقات محدرات سعرات لعله (كذا) أكلها وشربها )) .
كذا ساق الميمني نص المخطوطة كما هو بتحريفه ، ولم يتبين وجه الصواب فيه ، فكتب بعده كلمة (كذا) ، ولو أتيح للأستاذ الميمني أن يعرف مصادر هذا البيت ، لرأى في سياق بعضها ما يعينه على إصلاح هذا التحريف الذي شوه وجه النص ؛ ففي "لحن العوام" للزبيدي (ص١٧٢) : (( وقال أبو نصر : أتانا بثريدة مصمعة ، إذا رفعها كالصومعة ، وحدد رأسها ، ويقال : بعرات مصمعات إذا كانت ملتزقات عِطاشاً فيهن ضمر .
وأنشد يعقوب لعدي بن الرقاع :
ولها مناخ ... البيت )) .
وعلى ضوء نص "لحن العوام" يمكن إصلاح الخلل الواقع في نص "الطرائف الأدبية" على النحو التالي : (( مصمعات يعني بعرات ملتزقات محددات ببعرات لقلة أكلها وشربها )) .

٣- ثم قال الدكتور رمضان وهو يذكر خطأه دون مبالاة تعليماً ونصحاً :
(( على أن الاكتفاء بمصدر أو مصدرين ، قد يجر إلى ادعاء خطأ نسبة بيت وردت في مصادر لم يرها المحقق ، أو القول بتحريف أو تصحيف في رواية لم يجهد المحقق نفسه في البحث عنها ، أو ترك التصحيف والتحريف كما هو ، لعثوره عليه مرة أخرى في مصدره الذي اكتفى به .
وقد وقعت أنا في بعض ذلك ، عند تحقيقي كتاب "لحن العوام" للزبيدي ؛ إذ ادعيت ( في صفحة ١٣٩ ) أن رواية بيت الفرزدق :
وعض زمان يابن مروان لم يدع
                      من المال إلا مسحتاً أو مجرف
محرّفة في ديوانه ، وأن الصواب : (( مجلف )) ، غير أن من يطلع على كتاب "الأبدال" لأبي الطيب اللغوي ٧٠/٢ ، يعرف أن البيت يقال بالروايتين : (( مجلف )) أو (( مجرف )) ! )) .

قلت : وهذه التجربة أعني الاستعجال في التصحيح وقعت فيها عند تخريج أثر العباس رضي الله عنه في ماء زمزم : (( لا أحلها لمغتسل )) ، وتحقيق حكم الاغتسال من ماء زمزم .
فقد وقفت على الأثر في "الموسوعة الفقهية الكويتية" ، منسوباً إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فاستعجلت ، وكتبت في الهامش : بل رواه العباس رضي الله عنه .
ثم وقفت على قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى في "مسائل ابنه صالح" ٨١/٣ : (( وكان سفيان بن عيينة يحكي عن ابن عباس : لا أحلها لمغتسل ؛ فيحكى عن العباس وابن العباس )) .
ثم وقفت على الأثر عن ابن عباس عند عبدالرزاق ، وغيره .
وهذا يدلك على أن العجلة مزلة ، وما أحسن ما قاله شيخ الحنابلة العلامة عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله تعالى حين القراءة عليه استشكل كلمة ظن فيها تحريفاً أو خطأ ، فأراد الطالب تصحيحها ، فأوقفه الشيخ ، وقال : اصبر ، لا تستعجل ، تخطأة الناس ليس بالأمر السهل (٢) .
وهذه كلمة غاية في النفاسة ، وهي روح التحقيق ، فرحمه الله من مربٍّ صادق ..

ومن جواهر كلم الدكتور رمضان عبدالتواب رحمه الله تعالى ، في الباب ، ما قاله في مقدمة تحقيقه لكتاب "البُلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث" لأبي البركات بن الأنباري ، ص٣ :
(( لقد ظن بعض أدعياء العلم ، أن تحقيق النصوص ونشرها عمل هين سهل ، وكان لكثرة الدخلاء على هذا الفن أثر في حكمهم هذا ، وما درى هؤلاء أن المحقق الأمين قد يقضي ليلة كاملة في تصحيـح كلمة ، أو إقامة عبارة ، أو تخريج بيت من الشعر ، أو البحث عن عَلَم من الأعلام في كتب التراجم والطبقات )) .

ويقول الشيخ الدكتور محمود الطناحي رحمه الله تعالى في مقاله "محمود محمد شاكر ومنهجه في تحقيق التراث" :
(( إن المحقق الجادّ قد يبذل جهداً مضنياً لا يظهر في حاشية أو تعليق ، وذلك حين يريد الاطمئنان إلى سلامة النص واتّساقه )) .

فهذه كلمات أحببت أن أختم بها هــذه المقالة ، والحمد لله رب العالمين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) للدكتور سعدالدين إبراهيم المصطفى مقال ترجم فيه لهذا العَلَم ، وقد استفدت منه كثيراً جزاه الله خيراً .

(٢) هذه الفائدة أذكر أنني قرأتها في كتاب "الجامع للرحلة إلى ابن عقيل" لـ أ. د. وليد بن عبدالله المنيس ، وكنت قد دونتها ، ولكن الدفتر بعيد عني ، وكذلك الكتاب ؛ لهذا ذكرتها بالمعنى الذي رسخ في ذهني ، والحمد لله رب العالمين .









أ. شبيب العطيّة
مجموعة المخطوطات الإسلامية