من اللطائف النفيسة في مبدأ حال الحافظ السيوطي وعلاقته بعلماء عصره
بل نَسَخ البقاعيُّ الكتابين الأولين في المجموع، وهما: "الفصول المهمة في مواريث الأمة" لابن الهائم، و"تلخيص تخريج أحاديث الهداية للزيلعي" لشيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وأثبت البقاعيُّ بخطه -أيضًا- عنوانَي الكتابين المذكورين في ظهريتيهما.
ولم يقع الكتاب الثالث بخط البقاعي، لكنه تمّمه وحشى عليه بخطه، وهو كتاب مختصر جدًّا في وفيات الأعلام.
وكذلك جاء الكتاب الأخير في المجموع، حيث نَسَخه للبقاعي: عبدالقادر بن محمد العرياني -وقد نصَّ السخاوي في ترجمته من الضوء اللامع (4/290) على أنه تردَّد إلى البقاعي ونسخ له-، وأرَّخ فراغه من كتابته في ثالث رجب، سنة 874هـ.
وعُني البقاعي بهذا الكتاب عنونةً، وقراءةً، وتحشيةً:
فكتب عنوانه بخطه الذي لا يشتبه: "طبقات النحاة، للجلال الأسيوطي -نفع الله به-".
وقرأ الكتاب بتمامه -تقريبًا-، كما تدل عليه حواشيه المتفرقة.
وكتب عليه حواشيَ في التتميم والتوضيح، والاستدراك والتعقب.
وبمقارنةٍ سريعةٍ بين هذه النسخة، والكتاب المعروف اليوم بـ"بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة"، يتَّضح أن هذه نسخةٌ عن إبرازة الكتاب الأولى، وأنها إحدى أقدم نُسَخِه -إن لم تكن أقدمَها-، فهي مكتوبةٌ بعد فراغ المؤلف من تأليفه بنحو ثلاث سنوات فحسب (قبل وفاته بـ37 سنة)، وتختلف ديباجتها عن الديباجة التي استقرَّ عليها فيه.
والمقارنة بين تعقبات البقاعي وحواشيه على تراجم الكتاب، وبين ما آل إليه حال تلك التراجم في الإبرازة الأخيرة منه، تحتاج نظرًا وتتبعًا، مع احتمال أن السيوطي لم يقف عليها، إذ لا نجد خطَّه في أي موضعٍ من هذه النسخة.
ويؤخذ مما سبق:
- أن السيوطيَّ أنهى النسخةَ الأولى من كتابه في الثانية والعشرين من عمره (علمًا بأنه جرد لتأليفه جملةً من الكتب الكبار)، ثم انتُسخت منه للبقاعي نسخةٌ مع بلوغ السيوطي الخامسةَ والعشرين.
- وأن البقاعيَّ الذي كان يكبر السيوطي بأربعين سنة، وكان يومئذٍ في الخامسة والستين من عمره (قبل وفاته بـ11 سنة)، قد قرأ تأليف هذا الشاب، وكتب عليه، ودعا لمؤلفه بالنفع، ولقَّبه بلقبه، والظاهر أن السيوطيَّ كان في التبريز والتميز بالقدر الذي يتطلَّع معه مَن لقيه أو قرأ له إلى مستقبله العلمي الباهر.
* برفقه نماذج من النسخة يغني إيرادها عن شرح ما فيها بعدما سبق بيانه.
والله أعلم.
أ. محمد بن عبد الله السريّع
مجموعة المخطوطات الإسلامية