جانبٌ من دقَّة السَّلف في الضَّبط والرِّواية
قال الإمام البخاري رحمة الله عليه في الجامع الصَّحيح برقم: (6241)
(بابٌ الاستئذان من أجل البصر
حدَّثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الزهري -حفظته كما أنَّك ها هنا- عن سهل بن سعدٍ قال اطَّلع رجلٌ من جُحْر في حُجَر النَّبي صلى الله عليه وسلم ومع النَّبي صلَّى الله عليه وسلم مدرى يحكُّ بها رأسه فقال: لو أعلم أنَّك تنظر لطعنت به في عينك إنَّما جعل الاستئذان من أجل البصر) (*)
قلت: في هذا الحديث العظيم جانبٌ عظيم من جوانب دقَّة السَّلف في الضبَّط والحفظ والرِّواية وهو قول الإمام سفيان بن عيينة (**) ت: 198هـ: (حفظته كما أنَّك ها هنا) فهو تأكيدٌ منه رحمه الله لحفظه لهذا الحديث وأنَّ حفظه مستقرٌّ في ذهنه وموجود ومتأكِّدٌ منه كتأكُّد وجود من يُحدِّثه بهذا الحديث، قال ابن حجر رحمه الله: (وقوله كما أنك ها هنا أي حفظته حفظا كالمحسوس لا شك فيه) اهـ، ثُمَّ يأتي من لا يُحسن يستنجي -أكرم الله القارئين- ويُشكِّك بكتب السُّنَّة والحديث الَّتي أفنى السَّلف أعمارهم ومُهَجَهُم في حفظها وصونها عمَّا ليس منها، ولذا ينبغي على المشتغلين بعلوم السُّنَّة ألا يتهاونوا عن نشر مثل هذه الجوانب المشرقة في حفظ السَّلف ودقَّتهم وضبطهم ليهلك من هلك عن بيِّنةٍ ويحيى من حيي عن بيِّنة والحمد لله ربِّ العالمين.
------------
(*) السادس من البخاري، نسخة الغازي خسرو بك بسراي بوسنة برقم: 455، وهي من نفائس المكتبة نسخت سنة 700 هـ.
(**) قال ابن حجر: (قوله سفيان قال الزهري كانت عادة سفيان كثيرا حذف الصيغة فيقول فلان عن فلان لا يقول حدثنا ولا أخبرنا ولا عن، وقوله حفظته كما أنك ها هنا هو قول سفيان) [الفتح 24/11]
#إفادات_من_مخطوطات
#زخم_التراث
ضياء الدين جعرير
مجموعة المخطوطات الإسلامية
@almaktutat