📝 بصائر في التسديد المنهجي📝
🎯 - 2 - فوائد الحصول على الكتاب التراثي المحقق.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه.
أما بعد:
فلا حصر لما يراه الباحث المحقِّق ويتابع أخباره من كتب التراث المحقَّقة التي تَضيق بها المكتبة المتخصصة الواحدة، فضلًا عن المئات المنتشرة في البلاد العربية الإسلامية وسواها.
ولا سبيل - من ثمَّ - إلى الإحاطة بكل ذلك وضبطه على جهة التفصيل، مع اشتداد الحاجة إليه قبل العزم على تحقيق أي مخطوط، أو إعادة تحقيقه، أو إنجاز دراسة بشأنه.
لذا؛ فإنَّه لا غنى للباحث المحقق عن مَورد مشتمل على التعريف بكتب التراث المحقَّقة تعريفًا مختصرًا جامعًا للمعلومات الضرورية لترشيد الباحث المقدم على تحقيق مخطوط ما، أو إعادة تحقيقه.
ولما كان إنجاز مثل هذا العمل غير هيِّن، وكان تحقيقه من قِبَل كلِّ باحث مختص في آنٍ واحد متعذرًا، فلا أقل من أن تقع العناية به من كلِّ واحد على حدة، فيضع برنامجًا لما لديه ويقع بين يديه من كتب التراث المحقَّقة، يعرِّف فيه بكلِّ كتاب التعريف المذكور، ويسارع إلى نَشر ما ينجز بين الفينة والأخرى؛ إسعافًا لأهل صنعته، وتخفيفًا من مؤنتها الثقيلة على مقتحمي عقبتها الكؤود.
وقد بدا لي - قبل الشروع فيما قصدتُ إليه من ذلك - وضع هذه المقالة القليلة في بيان فوائد الحصول على الكتاب التراثي المحقَّق، إشارة إلى ما يقتضيه ذلك من تعديته، والاحتفال بطرائق استثماره وتنميتِه؛ تحقيقًا للقصد البعيد من تحقيق التراث العلمي ونشره، إلى أن يصِل دمه الذي يُضَخ مع كل نفس إلى كل عضو من أعضاء جسد المحققين الواحد.
وسيأتي أنَّ كل فائدة حَرِيَّة بتجليتها، جديرة بتعديتها؛ استدرارًا للأجر والثواب، وإحياء لمظهر عظيم من مظاهر إعجاز دين الإسلام؛ أن غزارة الرافد التراثي لحضارتها شاهد من شواهد ظهوره.
أمَّا فوائد الحصول على الكتاب التراثي فيمكن بيانها من وجوه:
الأول: الفرح بتملُّك الكتاب المحقَّق أو رؤيته أو تلقِّي خبره؛ فَرَحَ ذي الغيرة على دينه وتراثه وحضارته، فهو فرح احتفالٍ روحيٍّ بنعيم نفسي لا يوصف، يجده الباحث المسلم ضاحكًا مستبشرًا، ذاكرًا قول الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].
قال الإمام أبو حيان (٧٤٥ هج) في البحر المحيط (١٥/ ١٦٠): "قل يا محمد لجميع الناس: بفَضل الله وبرحمته فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما يجمع من حطامها؛ فالمؤمنون يقال لهم: ﴿ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ وهم متلبِّسون بعلَّة الفرح وسببه، ومخلِصون لفضل الله، منتظِرون لرحمته"؛ انتهى.
ولا يخفى دخول الفرح بتلقِّي العلم عامَّة في أصناف الفرح بفضل الله وبرحمته على النحو الذي تدلُّ عليه الآية؛ لدخوله في مراضي الرب جل وعلا، بل هو أرقاها لوصله بين فضله الجاري في الدنيا سرًّا لهدايته، وبين رحمته في الآخرة الجارية نعيمًا في جنته، وهو ما يدلُّ عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: ((من سلَك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة)).
أما الفرح بالكتاب المحقَّق فدخوله في ذلك من وجه أخص؛ وهو سَلْكُ الفَرِح بذلك في أولي السبق من أهل العلم، المحققين المرابطين على ثغر صيانته، المعنيين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَحمل هذا العلمَ من كلِّ خلف عُدوله، ينفون عنه تحريفَ الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين))؛ مشكاة المصابيح (1/ ٥٣).
الوجه الثاني: معرفة مآل المخطوط (محققه، والدار التي تولَّت طبعه ونشره، وزمن ذلك، لا سيما إذا تعدَّد كل ذلك وتباين، فيعرف السابق واللاحق).
الوجه الثالث: معرفة النسخة أو النُّسخ المخطوطة المعتمدة، حتى إذا كان لدى الباحث غيرها، وبدا له بعد الفحص الدقيق والمقايسة العلمية أنَّها بحاجة إلى إعادة التحقيق، فعل.
وقد لوحظ قبل فترة غير طويلة أن كثيرًا من كتب التراث المحققة قد حُقِّقت باعتماد ما أُتيح من نسخها للمحققين؛ لقلَّة الحيلة وعسر سبيل تحصيلها، فلما تيسَّر اليوم الكثير من تلك السبل اشتدَّت الحاجة إلى إعادة تحقيق الكثير من كتب التراث النفيسة.
ولا تزال موجبات إعادة التحقيق عامةً قائمةً، ذاتَ صلة بالخطأ الخارج عن القصد، المؤثِّر سلبًا في سلامة النصِّ المحقَّق أو غيره من شروط التحقيق العلمية، لا يحمل الباحث المختص على إعادة تحقيقها إلا القصور المركوز في بني آدم، بل قد يكون مُعيد التحقيق مستدرِكًا فيه على نفسه إنصافًا ووفاء.
وفيما حقَّق ولا يزال يحقق كتب أساء محقِّقوها إليها وإلى أنفسهم وإلى التراث وإلى صنعة التحقيق الشريفة؛ فهذا الصنف لا يتناوله احتفائي، ولا يلتفت إليه اعتنائي.
والحمد لله أولًا وآخرا.
د. عبد الرزاق مرزوك
مجموعة المخطوطات الإسلامية
@almaktutat
♦🖌♦ - رابط المقال على (الألوكة):
http://www.alukah.net/culture/0/107104/