أيسر الطرق لنقد النص المحقق
الحمد لله وحده، وبعد:فمن أيسر طرق نقد النص المحقق: النّظر فيما فات المحقق من نسخ، فربما تعثر على نسخة أتقن مما اعتمدها المحقق، فتصوب عشرات المواضع التي على الخطأ بالمطبوع.
لذا حري بكل من يقف على نسخة لم تعتمد في المطبوع أن يبين ذلك، ويتركه من الترهات التي تزعم أن اجتماع المكتبات الخطية بأيدي صغار طلبة العلم جعلتهم يسارعون في الاستدارك على المحقق.
وربما فات المحقق نسخة تسد ثغرة النقص الواقع في النص المحقق مثاله: «كتاب تالي تلخيص المتشابه في الرسم» لمؤرخ بغداد، تحقيق: الشيخ مشهور آل حسن، ط الصميعي، على نسخة مبتورة من آخرها وسد النقص من تلخيص السيوطي للكتاب، ويقع ضمن مجموع نادر الوجود بمكتبة بايزيد العمومي، وفاته نسخة دار الكتب المصرية وهي تسد ثغرة كبيرة من النقص الواقع بالنص المحقق والكتاب لم يعاد تحقيقه وسد النقص الواقع فيه.
ويُعد حلقة رئيسية في كتب الرسم هُو «وتلخيص المتشابه في الرسم»، تحقيق: الأستاذة سكينة الشهابي، واعتمدت على نسخة بخط ابن النجار.
وفيهما من التنبيه على المتشابه ما لا يوجد في غيرهما حتى كتاب «الإكمال» لتلميذه الأمير ابن ماكولا، وكتاب «توضيح المتشابه» لابن ناصر الدين الدمشقي الذي يعد من أتقن وأجمع كتب الرسم، ومعلوم أنه إذا حصل خلاف في ضبط كلمة فالقول قول ابن ناصر الدين الدمشقي!
وكذا من فوات النسخ الخطية نسخة أحمد الثالث من «البعث والنشور»، وتعد النسخة الكاملة للكتاب، ورغم أن محقق دار الكتب الثقافية كان على علم بها إلا أنه أغفلها، واعتمد على نسخة شهيد علي باشا، وهي مبتورة من أولها، لكن أُحدث لها صفحة عنوان، وعليها عدة تمليكات تدل على أنها كانت لأحد الأئمة بالجامع الأزهر، وكان من قرية بعاصير إحدى قرى بيروت، وله تعليقات عقدية كثيرة مثبتة على طرر النسخة !
وأيضًا ربما ما أغفله المحقق من نسخ هُو الإبرازة الأخيرة للمؤلف، ويكون فيها إضافات وتعديلات خلت منها النّسخ المعتمدة كما الحال في نسخة روسيا من «البعث»، ونسخة المتحف من كتاب البخاري.
والحال كذلك في فوات النسخ في «المسند الحنبلي» طبعة الرسالة، وجميعة المكنز استدركت أحاديث من نسخ فاتت ط الرسالة وصلت في موضع لعشرات الأحاديث.
ومن أيسر الطرق أيضًا في نقد العمل المحقق: النّظر في النُّسخ المعتمدة ومن أي الروايات هي، فالدّارج عند المحققين الخلط بين الروايات كما في «الكامل» لابن عدي طبعة الرشد، فالكتاب ليس من رواية أبي سعد الماليني فقط، بل ثم فوات في سماعه من ابن عدي، وسمعه حمزة السهمي وروايته هي المتمثلة في نسخة أحمد الثالث وهي سقيمة جدا، وثم جلد نفيس من رواية السهمي في فيض الله أفندي ولم يعتمد بالرشد.
ونسخة الظاهرية الأم ملفقة من عدة روايات عن أبي أحمد ابن عدي منها: الماليني، والسهمي، وأبي سعد الإسماعيلي، وغيرهم، وأزعم أن دار التأصيل رائدة الاعتناء بتعدد الروايات للكتب التي عملت عليها ويمكن الاستفادة من المقدمة العلمية لتحقيق «الضعفاء» للعقيلي، كما أن الدار رائدة في اختصار كلام أئمة العلل على الأحاديث، و«السنن الكبرى» للنسائي نموذجًا.
وأيضًا: طبعة الأستاذ عوامة لـ «كتاب السنن» لأبي داود السجستاني تُعد من أسوء أعماله خاصة خلطه بين الروايات، ورغم أنه نبه لزيادات الروايات الأخرى إلا أنه يتعذر استخلاص رواية اللؤلؤي!
وأيضًا فوات محقق «مصنف عبد الرزاق» لبعض النّسخ كنسخة دار الكتب المصرية جعله يخرج الكتاب ناقصًا فهناك عدة كتب لم يسمعها الدبري من عبد الرزاق، وسمعها الحذاقي منها كتاب المناسك الكبير، وقد طبع مفردًا وضم في نشرة دار التأصيل، وينقل منه ابن حزم كثيرًا في «المحلى»، و«حجة الوداع».
ويجبُ مراعاة تعدد الروايات كما الحال في «مصنف عبد الرزاق» مجلد دار الكتب، وفيض الله وكلاهما يعود إلى نسخة واحدة بروايات مختلفة وبها زيادات في الأحاديث.
وومن أيس الطرق أيضًا: النّظر في مواضع الاجتهاد في الحاشية أعني المواضع الذي يغيرها المحقق استنادًا إلى المصادر الثانوية، وهنا يَكثر مواضع الزلل كما الحال في «المستدرك» للحاكم طبعة الميمان، ويمكنك بسهولة الاستدارك عليهم في مواضع الاجتهاد، لذا عُلمنا قديمًا أنّه من آليات العمل المحقق جرد مواضع الاجتهاد وعرضها على خبير ليعيد البحث فيها!
وهذه الجزئية من أهم الجزئيات التي يعمل عليها الحاج محمود خليل في الاستدراك على الطبعات الجديدة!
ومن أيسر الطرق أيضًا: فحص نهاية العمل فالمحقق في بداية العمل يدقق، وفي نهايته يكون أصابه التعب، واستعجال الناشر أو الممول، وفرحه بقصب السبق!
ومن أيسر الطرق أيضًا: النظر في ضبط بعض الأعلام التي تقرأ على السّليقة مثل: علي بن رباح صواب ضبطه: عُليّ بضم العين
ومعمر بن سليمان الرقي صواب ضبطه مُعمّر .. وهكذا
ومن أيسر الطرق أيضًا: النّظر في ضبط البنية الإعرابية للمواضع الذي صوبها المحقق أو أجرى لها تعديلًا ففي الغالب يغفل عن إصلاح البنية الإعرابية لهذه المواضع في الأعم الأغلب.
ومن أيسر الطرق أيضًا: النّظر في المصورة المعتمدة فإذا ظفرت بمصورة أوضح يمكنك استدارك عشرات المواضع الذي بيض لها المحقق، وكذا المواضع الذي قرأها على التوهم ومثاله: «إكمال تهذيب الكمال» لمغلطاي، و«السيرة» لابن إسحاق وليس مختصره لابن هشام، وبعض أجزاء «التاريخ»، لابن أبي خيثمة، بل أذكر أنني اعتمدت في بعض أعمالي على مصورة غير واضحة أصابها بلل واستدركت مواضع البلل من مصادر التخريج، وبعضها تراجم كاملة، وبعد الحصول على المصورة من مصدرها الأصلي؛ استدركات عشرات الأخطاء والطمس الواقعة في العمل المحقق!
ومن أيسر الطرق أيضًا: النّظر في بعض الآيات التي ترد على خلاف قراءة حفص خاصة فيما ورد عن عبد الله بن مسعود، ويكثر ذلك في «سنن سعيد» بن منصور، وفي العديد من مؤلفات ابن قيم الجوزية.
ومن أيسر الطرق أيضًا: التّدقيق فيما بيض له المحقق من كلمات، وهذا يعتمد على وضوح المصورة كما تقدم، وتخريج النّص من مصادره الأصلية.
وبالله المستعان.
أ. محمود النحال
مجموعة المخطوطات الإسلامية