الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لمجموعة المخطوطات الإسلامية رابط متجدد

الأعداد الكاملة للنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) [رابط متجدد]

الأعداد الكاملة لـلنشرة الشهرية لـ (مجموعة المخطوطات الإسلامية) @almaktutat رابط متجدد https://mega.nz/#F!JugA2KDT!4nTvCdymnFy...

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

قصتي مع الشّنْطِي ... قصتي مع المخطوط!

قصتي مع الشّنْطِي ... قصتي مع المخطوط!
(في رحيل عصام محمد الشَّنْطِي)
أ. محمود زكي


الزمان: السبت، الموافق الأول من ديسمبر 2012.
المكان: مدينة الإسماعيلية - مصر.
الحدث: وفاة شيخنا وأستاذنا عصام محمد الشَّنْطِي رحمات المولى عليه! وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!

***

الأستاذ عصام محمد الشَّنْطِي
الخبير بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة ومديره الأسبق
شيخ مفهرسي المخطوطات العربية، وأحد أعلام التراث العربي
المعدودين الذين حملوا همَّه، وكشفوا كنوزه، وحببوا الناس إليه.

قصة تعرُّفي إلى الأستاذ الجليل هي قصُّة تعرُّفي إلى المخطوط، وربما هي قصة كثير من تلاميذ الشيخ وحوارييه. بدأت رحلتي مع المخطوطات وأنا طالب بكلية دار العلوم، بمطالعتي كتاب "الطناحي ذكرى لن تغيب" لابنه البارِّ محمد حفظه الله، وفيه تعجبت من عشقه للمخطوطات وتعلُّقه به، ومن كلام أقرانه وتلاميذه عن هذا الأمر، فأحببتُه وأحببتُ المخطوطات، وشعرتُ أن ما يُسمَّى بـ "معهد المخطوطات العربية" هو بيتي وملاذي، فطفقتُ أبحث عنه وأسأل، حتى دلني عليه أستاذنا الدكتور حسن الشافعي بارك الله في عمره، وهناك قابلتُ أستاذنا عصام الشَّنْطِي وأستاذنا الدكتور فيصل الحفيان وتعرَّفتُ إليهما والزملاء.

وبدأتْ رحلتي مع المخطوطات، ورحلتي مع الشَّنْطِي، وهي رحلة ثرية ممتعة إيّما إمتاع، أخذَ ((الأستاذ)) بيدي يُعرِّفني على المخطوط وعالمه، والتراث ومصادره ... وطفق يُعلِّمني كيف يكون عشق العلم والكتاب، وكيف تكون دقة الباحث وأمانته، وكيف يكون بذل المعرفة والوقت وزكاتهما، ومن أين تأتي السمعة الطيبة، والذكر الحسن، والرزق المترقب جزاء قضاء حوائج النَّاس ... تعلمتُ منه الكثير والكثير، ولكن أبرز ما خرجتُ به أن البذل وطيب النْفس مع العلم القليل أفضل من العلم الكثير مع الشُّح وآفات النْفس!

وقد شرفتُ بالأخذ عن أستاذنا الكريم رحمات المولى عليه، مع الخلق الحسن، العلم الشريف (علم المخطوطات)، سواء في قاعة الدرس بدبلوم (علم المخطوطات وتحقيق النصوص)، في أربع مقررات حرصتُ على ألا تفوتني منها محاضرة (أدوات تحقيق النصوص، فهرسة المخطوطات، قواعد التحقيق، قاعة البحث)، أو بالممارسة العملية لفهرسة المخطوطات والتعامل مع المصادر التراثية، في مكتبه بمعهد المخطوطات العربية، والذي يشهد على مئات المستفيدين من علمه من الطلبة والباحثين الذين كان لهم الملجأ والملاذ في الخبرة بمعرفة المخطوطات وأماكنها، والتعامل مع الفهارس والببليوجرافيات وكتب التراجم، وقبل ذلك كله وبعده في الحرص على نفع الناس وعدم التأفف من خدمتهم، وبذل الوسع واستفراغ الجهد في البحث والاهتمام، جعل ذلك كله في ميزان حسناته.

واستمرت رحلتي مع البحث العلمي في المخطوطات، فكان من أوائل ما كتبتُ بحثٌ عرضتُ فيه لكتاب أستاذنا الجليل الدكتور عبد الستار الحلوجي: ((نحو علم مخطوطات عربي))، وهو كتابٌ فخمٌ راقٍ، أكرمني الله به للدخول على علم المخطوطات وقضاياه، وقد عرضته على شيخنا الشَّنْطِي، فأجازه مع بعض ملاحظات أفدتُ منها، وشجعني ووجهني أن أنشره بعد عرضه على الدكتور الحلوجي، وقد كان، ونُشر في مجلةٍ علميةٍ مُحكَّمةٍ تصدر عن دار الكتب المصرية ((الفهرست))، وتعرفتُ إلى العَلَم الكبير في المخطوطات (الحلوجي).

ونشرتُ بعدها بحوثًا منها بحث في عرض كتاب الشَّنْطِي الرائد ((أدوات تحقيق النصوص))، ثم بحثًا آخر لم ينشر إلا مؤخرًا عرَّفتُ فيه بفهرسه ((لمصورات الفلسفة والمنطق)) ومنهجه فيه. وكان من حسن توجييه لي أن وافق منذ عدة سنوات وهو العَلَم الكبير على أنا أشاركه حينها تحقيق رسالة تراثية كنتُ أعملُ عليها حول موضوع (صناعة المخطوط العربي)، تشجيعًا لي، إلا أنه سبحانه لم يأذن بذلك.

ثم انطلقتْ رحلة التعلُّم والتأليف والترجمة، وشجعني أن أضم حينها إلى دبلوم المخطوطات، دبلومة في علم المكتبات والمعلومات من جامعة القاهرة. ثم في مرحلة الماجستير بالمعهد أيدني في تخصصي في (علم المخطوطات)، مؤكدًا على فرادته وندرة الأطروحات فيه، وقد كان وأتممتُ أطروحتي بعنون ((صَنْعَة تجليد النُّصوص: دراسة تحليلية وثائقية)) بتقدير ممتاز، ولله الحمد. وأذكرُ جزاه الله عني خيرًا كم كانت فرْحتُه أثناء مرضه الأخير عند معرفته بأني ناقشتُ الماجستير، وأني تزوجتُ! وكم كان يحثُّني على الأخير! رحمه الله مُعلمًا وناصحًا وأبًا!

كان ((الأستاذ)) دائم الاهتمام بالمشاركة والعطاء في مختلف الأنشطة العلمية التي يُدعى إليها، وكان يحثني منذ البداية على المشاركة رغم حداثة سني وأوليّة تخصصي، فكان أن قدمتُ عروضًا وبحوثًا في مؤتمرات متخصصة، وشاركتُ في المحاضرة والتدريب بالندوات والدورات التدريبية المعنية، في مصر وسوريا وعُمان وقطر والجزائر والمغرب وأسبانيا. وكذلك الأمر في المشاركة في المشروعات العلمية، والتعرُّف إلى المتخصصين والمؤسسات وغيرها. وأذكر في هذا الصدد تشرُّفي بكتابته تزكية علمية مطلوبة للتقدم لجائزة منحة البحث العلمي في مجال المخطوطات الإسلامية، التي تمنحها هيئة المخطوطات الإسلامية (تيما) بكامبريدج، والتي تلقيتُها عام 2009. كل ذلك وغيرها من الأمور العلمية والمهنية والشخصية، كنتُ ألقى فيها من أستاذنا كل دعم وتوجيه جزاه الله عني وعن المخطوطات خيرًا.

وقد تشرفتُ بالعمل في معهد المخطوطات العربية أولاً مفهرسًا للمخطوطات متعاونًا في مشروع فهرسة مصورات الكويت، ثم انتقلتُ باحثًا بقسم المخطوطات بدار الكتب المصرية، وأخيرًا استقر بي الحال باحثًا بالمعهد (خبير متعاون). وكان من بركات العمل بالمعهد قُربِي من ((الأستاذ))، واستدعاؤه لي أعلى الله قدره! ونَشطَ المعهد ضمن ما نشط إلى إقامة الدورات التدريبية، فكان عمادها وملاذها، هو ((الشَّنْطِي))، وكم صرنا بعده في حيص بيص!

دائمًا ما كنتُ أرجو الله أن أنال شرف أن أكون راوية ((الشيخ)) رحمه الله، فوفقني سبحانه وتعالى إلى شيء من ذلك، فاقتنيتُ ولله المِنَّة جميع ما كتبه  إلا ما ندر؛ مطبوعاته عندي مزدانة بإهداءات رقيقة بخطه، متنوعة العبارات بين الدعاء والتشجيع، مخطوطاته بخط يده المـُنمَّق، ومنها مشاركاته في الدوريات والمؤتمرات والدورات الأخيرة وغيرها التي كنتُ أرسلها له، مجموعة طيبة من نماذج إهداءات العلماء والمفكرين لكتبهم، والرسائل المتبادلة مع إحسان عباس وغيره، مجموعة خاصة من صوره الفوتجرافية، وغير ذلك.

وكنتُ قد اقترحتُ وغيري على الشيخ رحمه الله، جمع بعض بحوثه ومقالاته لتنشر على حسب موضوعاتها في كُتب ينتفع بها النّاس، فرحبَ بالفكرة، وخرج كتاب هو آخر ما صدر له في حياته العامرة، بعنوان ((محاضرات في التراث العربي))، بسعي  تلميذه المخلص الناشر الباحث الأستاذ أشرف عبد المقصود صاحب مكتبة "الإمام البخاري" ومتابعته، وبقي غيره من الكتب لم يكتب الله لها أن ترى النور بعدُ.

قاتل الله طول الأمل والتسويف! لا يستشعر الإنسانُ النعمةَ إلا بعد أن تضيع من يديه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد كنتُ أنوي أن أنقلَ عنه سيرة ذاتية ضافية، كما كنتُ أسعى لتسجيل حورات صوتية أو مرئية لتوثيق مخزونه النادر من تاريخه وذكرياته مع العلماء والمؤسسات والمخطوطات ... فهو تراث شفهي نفيس، يموت بموت صاحبه، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه فقد سعى أخي الحبيب الدكتور أحمد عبد الباسط، الباحث بمركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية، وهو من أوائل طلبة الشيخ، إلى كتابة ((مشيخة)) له على النمط القديم، فكتب الشيخ بخط يده مسودة فيها ذكر شيوخه وتعلمه، ودفعها إليه، وستنشر قريبًا بإذن الله. كما أكرمني الله بتنسيق لقاءات فضائية مع الشيخ ضمن مجموعة من علماء المخطوطات والتحقيق في مصر، ببرنامج ((أوراق العمر)) على قناة "دليل" الفضائية، والشكر موصول لأخي العزيز أبي فهر أحمد سالم، فكانت ثمرتها ستة حلقات مسجلة فيها ذكريات فخمة لعطشى التوثيق والفوائد.

وكم كنا نتمنى –نحن تلامذة الشيخ وحوراييه- أن يرى رحمه الله الكتاب التذكاري الذي نعُدُّه إهداء له بمناسبة بلوغه الثمانين، والذي تأخر لأسباب، قدر الله وما شاء فعل. وهو كتاب يحوي بحوث ودراسات مهداة إليه، سواء متعلقة بشخصه (مقالات، شهادات، أشعار) أو بعلمه (مؤلفاته، منهجه، إنجازاته) أو بحوث عامة في المجالات التي اعتنى بها (المخطوطات والتراث والأدب وغيرها)، ونأمل أن يخرج قريبًا إلى النور، ويسرنا مساهمة من له اهتمام.

واللهَ نسأل للفقيد الرحمة والمغفرة، وأن يَتَقَبَّله عنده، وأن يصبِّر أهله وذَويه ويرضِّيهم، وأكتفي هنا بما ذكرته، وما أحلتُ عليه من مصادر ترجمته، وما كُتب عنه وبعض كتابته، ولستُ أشكُ في تفضُّل المولى سبحانه عليَّ بالكتابة عن الشيخ الكريم، مرات ومرات، عاجلاً غير آجلٍ، فالقلمُ لا يُطاوعني الآن، وما أمسكتُ به إلاَّ رغبة دعوةٍ صالحةٍ، هو - وأنا قبله - في أمسِّ الحاجة إليه، وقد تأخرتُ بما فيه الكفاية، وما كان لمثلي أن يتأخر.


رابط الموضوع في موقع الألوكة: http://www.alukah.net/library/0/48944/#ixzz3p7GA2cTg

مجموعة المخطوطات الإسلامية