رحمة الله على شيخنا الدّكتور يوسف الدّخيل وبارك في ابنه الدّكتور عزّام الذي نشأ في كنف والد عاشق للكتب عشق شيخه وشيخنا المحدّث الجليل حمّاد بن محمّد الأنصاري رحمه الله، شيخُنا الدّخيل كان محبّا للسّنّة، منافحا للغاية عنها، حريصا على استقامة طلبته على هدي السّلف الصّالح اعتقادا وعملا وعلما وخلقا، يمزج ذلك بمسلك لطيف من المزاح الحلال ترويحا على النّفوس، وتشجيعا على الاستقامة، وقد شرّفني بمراجعة تحقيقي لـ: (شرح السّنّة) للمزني، وقرأت عليه ما جمعتُه من: (كلمات في العلم وأدب الطّلب والاتّباع وذمّ الابتداع مستخرجة من تراث الحافظ الذّهبي)، وكانت له دقّة عجيبة في انتقاء العناوين المناسبة لتلك الكلمات، رحمه الله رحمة واسعة، وأجزل له المثوبة على ما كان يسديه من توجيهات بالاستمساك بالسّنّة والأثر، والابتعاد عن الحزبيّات المفرّقة، والاشتغال بالعلم، والأخذ عن شيوخه المعتبرين، ويا لروعة تلك الأيّام الخالية الفاضلة في مدينة خير الورى نبيّنا محمّد r، وكان الشّيخ -في أخريات حياته- يقصد يوميا المسجد النّبوي متحرّيا الصّفوف الأولى فتبصر عن يمينه وشماله وخلفه ثلّة من طلبة العلم يتقدّمهم في غالب الأحوال أهل بلدنا العزيز -الجزائر المحميّة- يعرضون عليه جديد الكتب والرسائل، أو يقرؤون عليه ما جمعوا من أبحاث، أو يسردون ما تيسّر من كتب، وهو يستمع إليهم موجّها ناصحا شفوقا حنونا مزاحما مداعبا، ويبدي لهم دقائق قد تخفى على اللّبيب خاصّة ما له صلّة بالعقيدة والأثر، نفعه الله بذلك، وأغدق عليه شآبيب رحمته، وقد حقّق الله له أمنيّته في الحياة بما يسّر من هذه المكتبة الحافلة التي بذل لها -والحقّ يقال- غاليَ الأثمان يعرف ذلك كلّ من خالطه وشاهده أيّام معارض الكتب، وبين جنبات مكتبة الرّشد وغيرها من مكتبات المدينة، لقد فكّر -وأحسن التّفكير للغاية- بما سيدعه بعده من أثر يتجدّد له به الذِّكْرُ في الآخرين، ولا شكّ أنّ هذه (المكتبة اليوسفيّة الدّخيليّة) صدقة جارية يرجى لصاحبها المثوبة المتجدّدة من ربّ العالمين كلّما استفاد منها القاصدون للبحث والمطالعة، وكم سررت بجمال منظرها وحسن ترتيبها، فلها من اسم صاحبها "يوسف" نصيب، ولن أنسى ما حييتُ اتّصالاته بي في ساعات متأخّرة من اللّيل مسلّما مذكّرا قائلا بصوت يهزّ الوجدان: " اتّق الله يا فلان "، جعلنا الله من أهل التّقى، ويسّرنا لنا ولكم سلوك سبيل السّنّة والهدى، ورحم الله شيوخنا الكرام ومعهم شيخنا الأثريُّ يوسف، وبارك في ذرّيّته وفي مقدّمتهم ابنه الدّكتور عزّام، الذي أوصيه صادقا أن يواصل سلوك طريق الوالد الكريم، ويسهّل ما استطاع لروّاد المكتبة الاستفادة منها قراءة ومطالعة وبحثا، فقد كان هذا هو مقصود الشّيخ في حياته، كما كان تماما مقصود شيخه وشيخنا الأنصاري، وسلامي على أحبابنا في المدينة، والله الموفّق والهادي إلى سواء السّبيل.
د. جمال عزُّون
8 - شهر الله المحرَّم - 1437
مجموعة المخطوطات الإسلامية
almaktutat.blogspot.com