التصحيف وأثره في كتب التراجم
وقد كان الحافظُ الكبير الجِهبِذ أبو الحجاج المِزِّيّ -تغمده الله برحمته- من أبعد الناس عن التصحيف، ومن أحسن الناس أداءً للإسناد والمتن ... وكان إذا تغرَّبَ عليه أحدٌ بروايةٍ مما يذكره شراح الحديث على خلاف المشهور عنده يقول: *هذا من التصحيف الذي لم يقف صاحبه إلا على مجرد الصُّحف والأخذِ منها*. فيما قاله صهره العماد ابن كثير
والحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) له جهود كبيرة في الزيادات على كتب التراجم، منها جملة كثيرة زادها على «كتاب ميزان الاعتدال» للشمس ابن الذهبي (ت 748هـ)؛ وما زاده عليه من التراجم المستقلة جعل قبالته أو فوقه (ز).
ومن هذه الزيادات:
-(ز) غَرِيب بن عبد الواحد.
عن يحيى بنِ سعيد، عن سعيد بن المُسَيَّبِ، عن عائشةَ رضي الله عنها بحديث: «السَّخِيُّ قَريبٌ مِنَ اللهِ، قَريبٌ مِنَ الخَيرِ، قَريبٌ مِنَ الجنَّةِ … » الحديث.
رواه ابن أبي دَاوُدَ ، عن جعفر بن محمد بن المَرْزُبان ، عن خالد [١] بن يحيى القاضي عنه .
وذكر عقبه قول ابن الجوزي (ت 597هـ): «غريبٌ مجهول». انتهى.
وهذه الترجمة التي زادها الحافظ ابن حجر ناتجة عن تصحيف وقع في نسخته الخطية بـ «كتاب الموضوعات» لابن الجوزي، فالذي في نُسخة البدر عليّ ابن الشيخ أبي الفرج من «الموضوعات»: «عن عنبسة بن عبد الواحد القُرشي».
وهي من أوثق ما وصلنا من نُسخ الكتاب، وقد نقلها من خط والده أبي الفرج البغدادي
وفي إثر تعليق ابن الجوزي على هذه الرواية من نسخة ولده البدر، ما نصه: «في طريقه الأول: «خالد بن يحيى، وهو مجهول». انتهى.
لا كما وقع في النسخ السقيمة: ... غَرِيبٌ مجهول.
والرواية خرجها الخطيب في «كتاب البخلاء»، وفيه: «عن عنبسة بن عبد الواحد القُرشي». انتهى.
وعنبسة ثقة، أخرج له البخاري في تعاليق «الصَّحيح»، وأبو دَاود، ولهذا لا يصح أن تكون هذه الترجمة من الزيادات على «ميزان الذهبي».
على أن الحافظ ابن حجر وقف على نُسخة من «الموضوعات» لابن الجوزي بخط الحافظ الزكي المنذري (ت 656هـ) استفاد منها في موضع بـ «اللسان»، ولعله لم ينشط للاستظهار بها في هذا الموضع ، أو ما وقع له من نسخة الزكي لم يشمل هذا الموضع.
والحافظ له عناية كبيرة بـ «كتاب الموضوعات» لابن الجوزي، وقد وقع للعلامة الداودي تلميذ الجلال ابن الأسيوطي نسخة بـ «كتاب الموضوعات» لابن الجوزي مطررة بتعليقات الأئمة الثلاثة : ابن حجر ، والبوصيري ، والقلقشندي .
على أن ابن عراق وقف على نسخة من «مختصر موضوعات ابن الجوزي» لابن درباس مطررة بالكثير من التعقبات التي قيدها الحافظ ابن حجر بخطه على حد تعبير ابن عراق، وقد احتفى بها أيما احتفاء في «تنزيه الشريعة»، وكاد أن يستوعب جل الطرر المقيدة على مختصر ابن درباس. هذا والله أعلم.
_____
[١] كذا في «اللسان»، و«الموضوعات»، والذي في المطبوع من «البخلاء» للخطيب: «خلف».