خادم تراث الأسلاف
الشيخ محمود بن عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله
( 1373 – 1438هـ / 1954 – 2017م )
تفاجأت يوم أمس الاثنين العاشر من شهر رمضان لعام 1438هـ ، بخبر وفاة الباحث في التراث الإسلامي الشيخ المُحَقِّق محمود بن عبد القادر الأرناؤوط ، وذلك أني كنت على تواصل شبه مستمر معه عن طريق بعض وسائل التواصل قبل أيام قليلة من سماعي لهذا الخبر . فسارعت إلى الاتصال به غير مُصَدِّقٍ لما سمعته ، فكلَّمني أحد أبنائه بصوت خافت تخنقه العبرة ، وإذا به يؤكد لي خبر وفاة أبيه قبل ساعات من اتصالي .
رحمك الله يا أبا عبد القادر ، فقد كنت تعمل بصمت ، بعيداً عن الأضواء ، على إتقانك وغزارة إنتاجك تأليفاً وتحقيقاً وتخريجاً .. ومن أشْبَهَ أباهُ فما ظَلَم .
محمود عبد القادر الأرناؤوط في قاعة البحث العلمي بمركز
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط للثقافة بكوسوفا
ترجمته رحمه الله .. محمود بن عبدالقادر الأرناؤوط ، ولد بدمشق عام ١٩٥٤م ، من أبوين كوسوفيين ، هاجرا إلى سورية في أوائل القرن العشرين . نشأ بدمشق ، ودرس بها ، حتى أنهى دراسته العليا فيها مُتخصِّصاً في التاريخ الإسلامي ، وعلوم الحديث النبوي الشريف . وفي عام 1991م أسَّس بدمشق مكتب ابن عساكر لتحقيق وتصحيح كتب التراث الإسلامي ،
وأدار العمل به حتى نهاية عام 1995م . وعمل باحثاً ومحاضراً في قسم التَّخَصُّص الجامعي من معهد الفتح الإسلامي بدمشق من عام 1997م إلى عام 2009م . وبعد وفاة أبيه بوصية منه انتقل إلى كوسوفا بلاد آبائه وأجداده سنة ٢٠٠٩م ، بعد نيلها الاستقلال بعام واحد . وفي عام 2011م بدأ التدريس في كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا بكوسوفا باللغتين العربية والألبانية ، كما أنه خبير المخطوطات والمطبوعات العربية القديمة بها . وفي عام 2012م أسَّس مركز الشيخ عبد القادر الأرناؤوط للثقافة في كوسوفا ، وقام بإدارة العمل فيه مع أبنائه . وقام بزيارة ما يزيد على مئة مكتبة دولية وخاصة حول العالم ، وشارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات العلمية والأدبية في عدد كبير من البلدان العربية والإسلامية والأوروبية . له ما يزيد على مائة كتاب باللغة العربية : تأليفاً ، وتحقيقاً ، وتخريجاً ، ومشاركةً ، ومراجعةً ، وإشرافاً ، وتقديماً .. نُشرت في بلدان عربية وإسلامية وأوروبية من عام ١٩٨١م إلى هذا العام ٢٠١٧م . وقد تُرجمت بعض مؤلَّفاته وتحقيقاته الى اللُّغة الألبانية ، ومازال بعضها الآخر قيد الترجمة . متزوج من امرأة كوسوفية ، وله منها خمسة أولاد وبنتان ، وله من الأحفاد أحد عشر.
نبذة عن حياة الشيخ محمود رحمه الله من زاوية أخرى ..
وهذه نبذة بسيطة في موضوع مُحَدَّد عن حياة الشيخ المُحَقِّق محمود بن عبد القادر الأرناؤوط وعائلته ، حول موضوع التراجم والسِّيَر العائلية فقط ، وذلك من خلال إعدادي لكتاب : " إتحاف النبيه بمن ألَّف كتاباً في سيرة أبيه" ؛ وهي أنه هو واثنين من أبنائه كانوا على شرط كتابي السالف الذِّكْر ، فقد ألَّف – رحمه الله - كتاباً في سيرة أبيه مُحَدِّث الدِّيار الشامية الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، المتوفى عام 2004م ، بعنوان : "سيرة العلَّامة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط" ، وكتاباً آخر بعنوان : "أشهر علماء الحديث النبوي الشريف من الألبانيين المعاصرين : محمد ناصر الدِّين الألباني .. عبد القادر الأرناؤوط .. شُعيب الأرناؤوط" . ورزقه الله أبناء بَرَرَة ، فكتب اثنان منهم : صفوان وبلال في سيرة أبيهم ، وتعداد آثاره التي تجاوزت المائة ، والتعريف بها ، كتاباً بعنوان : "آثار الأستاذ المحقِّق محمود عبد القادر الأرناؤوط : تأليفاً ، وتحقيقاً ، وتخريجاً ، ومشاركةً ، ومراجعةً ، وإشرافاً ، وتقديماً" . وبما أن الحديث في التراجم والسِّيَر العائلية ، فلابنه الأكبر عبد القادر كتاب في سيرة جَدِّه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، بعنوان : "آثار المُحَدِّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط" ، ولابنيه : عبد الحليم ونور الدِّين ، كتاب بعنوان : " آثار المُحَدِّث الشيخ شُعيب الأرناؤوط" ، بإشراف أخيهما الأكبر : عبد القادر . ويظهر لنا من هذا الاستعراض السريع بأنه – رحمه الله - من بيت العلم ، وعائلته مباركة ؛ فأبوه وهو وأبناؤه الخمسة جميعهم مؤلِّفون ، رحم الله من مات منهم ، وبارك فيمن بقي .
صفوان محمود الأرناؤوط
بلال محمود الأرناؤوط
ابنه الأكبر عبد القادر [من مواليد 1981م] ، صورة مُصَغَّرة لجَدِّه مُحَدِّث الدِّيار الشامية الشيخ عبد القادر الأرناؤوط ، فقد فَرَّغَه أبوه منذ سنوات للعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام بالعناية بالكتب التالية : "موعظة المتقين من هدي سيد المرسلين" ، و "أحاديث فضائل الشام" ، و "فاكهة مجالس المخلصين من أحاديث سيد المرسلين" .. بإشراف أبيه ، وجميعها من آثار جَدِّه . كما يعمل على غيرها من كتب الحديث النبوي الشريف مع أبيه قبل وفاته – رحمه الله - ، وستصدر قريباً إن شاء الله .
عبد القادر محمود الأرناؤوط
وفي الختام .. سأذكر نصَّ سؤال طريف ومفيد سألته إياه - رحمه الله - ، وهو :
أيهما أصحّ : (كوسوفا) أم (كوسوفو) ؟
فكان جوابه – رحمه الله – كالآتي :
(كوسوفا) اسم بلدنا بلغتنا الألبانية ، و (كوسوفو) هو اسم بلدنا باللُّغة الإنكليزية ، وقد أصبح الاسم الدولي لبلدنا ، وكلاهما يصحُّ استعماله .
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط مع ابنه محمود مستهل عام 2004م
في مجمع اللغة العربية بدمشق
فهد بن تركي بن مبارك العصيمي
مكة المكرمة
الثلاثاء 11 / 9 / 1438 هـ